12%

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله كما حمد نفسه وأضعاف ما حمده خلقه حتى يفنى حمدهم ويبقى حمده ، لا إله إلا هو وحده. هذا كتاب أذكر فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ ما انتهى إليّ من أقضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم التي قضى بها ، أو أمر بالقضاء فيها ، إذ لا يحل لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله بهعزوجل في كتابه ، أو بما ثبت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حكم بها ، أو بما أجمع العلماء عليه ، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة.

واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي ـرحمهم‌الله تعالى ـ على أنه لا يجوز لحاكم أن يحكم بين الناس حتى يكون عالما بالحديث والفقه معا مع عقل وورع.

وكان مالكرحمه‌الله يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها : لا أراها تجتمع اليوم في أحد ، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى العلم والورع.

قال عبد الملك بن حبيب ـرحمه‌الله تعالى ـ : فإن لم يكن فعقل وورع ، فبالعقل يسأل وبه تصلح خصال الخير كلها ، وبالورع يعف. وإن طلب العلم وجده ، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده.

وأبدأ في ذلك بأقضيتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الدماء لما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم وغيره : «إن أول ما يقضي الله تبارك وتعالى بين الناس يوم القيامة في الدماء». وأول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة ، فمن وجدت له صلاة نظر في سائر عمله ، ومن لم توجد له صلاة لم ينظر في شي من(١) عمله.

وليس بعد الشرك باللهعزوجل أعظم من قتل النفس(٢) .

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «زوال الدنيا بجميع ما فيها أهون على اللهعزوجل من

__________________

(١) رواه البخاري (٦٥٣٣) و (٦٨٦٤) ، ومسلم (١٦٧٨) ، والترمذي (١٣٩٦) مختصرا على الفقرة الأولى.

ورواه النسائي (٣٩٩١) مطولا ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه مالك في الموطأ (١ / ١٧٣) في قصر الصلاة. باب جامع الصلاة. بلاغا. وإسناده منقطع. وله شواهد.