27%

الحديث، ويرجع ذلك إلى اعتباره قَرينَة قَطعيَّة على كذب الخبر وترجيح القَطع والاطمئنان على الظنِّ.

وقد استخدم القرآن الكريم هذا المقياس في ردِّ بعض المسائل والدعاوي الكاذبة، فقد وَرَدَ في الروايات أنّ علماء اليهود والنصارى جاؤوا إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأخذوا يُجادلونه في إبراهيم‏ (عليه السلام)، فقالت اليهود: إنّه كان يهوديّاً، وادّعى النصارى مثل هذا الادعاء، فنزلتْ الآية: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (358) لتبين كذب هذه الادعاءات (359) ، فقال تعالى: ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) (360).

وهذا في الحقيقة استناد إلى التاريخ في كذبِ هذه الدعوة، فقد كانت رسالة إبراهيم سابقة على رسالة موسى وعيسى، فكيف يُدين نَبيّ سابق بدِينٍ لاحِق؟!

ملاحظة:

يَفترِق هذا المِعيار عن المِعيار السابق (السُنّة)، فالتاريخ له ماهيّة خاصّة يختلف عن السُنّة؛ لأنّه أعمّ من السُنّة بالمَعنى المنطقي؛ وذلك لأنّ السُنّة هي قول وفعل وتقرير المعصوم (‏عليه السلام)، في حين أنّ التاريخ يشمل السُنّة وغيرها من الوقائع الّتي يُمكن أن تُشكِّل قرينة على كذبِ الخبر.

المبحث الثاني: التاريخ بين الظنِّ واليَقين

تأثَّر منهج المُؤرِّخين في نقل الحوادث التاريخيّة بمَنهجِ المُحدِّثين في بادئ الأمر، فكانوا يذكرون الروايات التاريخيّة مُسنَدة كما هو الحال في تاريخ الطبري (ت 310 هـ)، وكانت مُهمّة المُؤرّخ تنحصر في النقل الصادق للخبر، والتأدية له كما سمع دون إعْمَال النَقْد، وكان يعتقد أنّ التَبِعة لا تقع عليه في هذه الحالة، إنّما تقع على