9%

المَبحث الثالث: علاقة السُنّة بالكتاب

قُلنا سابقاً: إنّ رُتبة السُنّة من القرآن تأتي بالدرجةِ الثانية بَعده، وإنْ كانتْ حُجّة بنفسها، أمّا بالنسبة إلى علاقتها ومَنزلَتها بالنسبة إلى القرآن، فقد قَسّمها الشافعي إلى ثلاثة أقسام، اتّفق علماء المسلمين على اثنين - وإنْ اختلفوا في بعض التفاصيل -، واختلفوا في القِسم الثالث، قال: (إنّ سُنَن النبي (ص) من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا فيها على وَجهَين، والوجهان يَجتمعان ويَتفَرَّعان.

أحدهما: ما أنزلَ الله فيه نصّ كتاب، فبيَّنَ رسولُ الله (ص) مِثل ما نصّ.

والآخر: ما أنزل الله فيه جُملة كتاب، فبيَّن عن الله مَعنى ما أراد.

وهذان الوجهان اللَذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سَنَّ رسول الله (ص) فيما ليس فيه نصّ كتاب.

فمنهم: جَعلَ الله له، بما افترضَ من طاعته وسبق في عِلمه من توفيقه لرضاه، أن يَسنَّ فيما ليس به نَصّ كتاب.

ومنهم: مَن قال: لم يَسنّ سُنّة قَطْ إلاّ ولها أصل في الكتاب، كما كانت سُنَنه لتَبيِين عَدَد الصلاة... (192) .

والّذي يظهر من كلام الشافعي: أنّهم لم يَختلفوا في النوع الثالث، وإنّما الاختلاف كان حول كيفيّة تشريع الحُكم من قِبل الرسول (ص)، هل أنّ كلّ ما سَنَّه الرسول (ص) له أصل في الكتاب، أو لا؟

ولذلك يُمكن تقسيم علاقة السُنّة مع الكتاب كالتالي:

1 - السُنّة الّتي تدلّ على الكتاب من جميع الوجوه، فتكون من تَوارُدِ الأدلّة، كما في قوله (ص): (لا يحلّ مَال امرئٍ مِنكم إلاّ بِطِيبِ من نَفسه)، فإنّه يُوافِق قوله تعالى: ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ، أو قول الرسول (ص): (اتّقُوا الله في النِساءِ، فإنّهنَّ عَوَانٌ عندَكم...)، فإنّه يُوافِق قول الله تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .

2 - السُنّة الّتي تُبيِّن القرآنَ فتُفَصِّل مُجمَله، أو تُوضِّح مُشكله، أو تُقيِّد مُطلَقه، أو تُخصِّص عامَّه، وذلك مِثل السُنَن الّتي بَيَّنَتْ كيفيّة الصلاة والصوم، والحجّ وأحكام الحجّ، وتفاصيل الرِبَا... الخ.