ولو تسنّى لنا أن ننتقل بأفكارنا وإحساسنا إلى الجوّ القاتم الذي كان يعيش الإمام في زنزانته، لأخذَتنا الدهشة من ظالمه الذي لم يرَ منه سوءاً قط، ولا وقفَ له على قالةٍ البتّة، ولا صادَره رهن محاولةٍ، ولا شَعرَ منه بهمسةٍ في سرّه ولا في عَلنه،.. فكيف لا يدعو عليه الإمام بعد أن تعمّد إذلاله وسيّره ماشياً على قَدميه في يوم حارٍّ، وهو يركب جواداً مطهّماً تأخذه الخيلاء والكبرياء؟ ولِمَ لا يدقّ باب ربّه الذي اجتباه من خلقه، فعمدَ هذا الطاغية إلى ازدراء اصطفاء الله واختياره؟! فلو لَم يبلغ ظلم هذا الرجل الغاية، لبقيَ الإمام على صبره المعهود؛ فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الصّبر على الأذى والظلم، وأهل المكابدة والمجاهدة في سبيل الإبقاء على الدّين وحفظ رسالة جدّهم سيد المرسلين (صلّى الله عليه وآله).
ويا أيّها المتوكل على غير الله، أخطأتَ الحكمة والصواب حين نازعتَ بجبروتك ربّ الجبروت والملكوت!
ولو قُدّر لآبائك أن يُطلعوك على ما صاروا إليه، لرأيتَ أمراً عظيماً وخطراً جسيماً،.. ولواجهكَ فعل الله بمَن يتصدّى لأولياء الله وعباده الصالحين!
وأقول لك توبيخاً، ولغيرك تحذيراً، ما قاله أحد الشعراء:
لا تَظلمنّ إذا ما كنتَ مقتدراً | فالظّلم آخره يأتيك بالنّدمِ | |
نامَت عيونك، والمظلوم مُنتبِه | يدعو عليك وعين الله لم تَنمِ! |
.. وأزالَ الله تعالى تلك الغمّة التي خيّمت بثقلها في أجواء الإمام (عليه السلام)، وكشفَ الغيمة السوداء التي مَلأ قتامها آفاقه وآفاق مَن يدور في فلك الحقّ، حين قَطّع المتوكّل سيفه العزيز عليه، فمضى واحداً من سلسلة (أمراء المؤمنين) الذين أذلّوا المؤمنين وعباد الله الصالحين!