هذا العنوان يُنفّر بعض سامعيه قبل أن يطّلعوا على تفاصيله وحقيقة أمره، ولكنّهم حين يعلمون أنّ مصدر الآيات كلّها واحد، وهو الله سبحانه وتعالى - سواءً أنزلها للرّحمة أم للنقّمة، على يد نبيّ، أو يد وصيّ نبيّ، أو يد عبدٍ صالحٍ - فإنّ المستغربين حينئذٍ لا يعجبون..
وما زالت الآيات بإذنه تعالى، وبقدرته ومشيئته، فلا عجب إذاً إذا أجراها على يد النبيّ، والوصيّ، والعبد الصالح،.. ولا ينبغي أن تنفر النفوس من ذكر الآيات والمعاجز وخوارق الطبيعة؛ لمجرّد أنّ العقول لا تستوعب حدوثها ولا يقدر الآخرون على القيام بمثلها، فالأمر - بحدّ ذاته - يدور - إذاً - بين أنّ الله تعالى قادر على أن ينزّلها، أو أنّه - والعياذ به سبحانه - غير قادر!
أمّا هو تبارك وتعالى فيقول في محكم كتابه: ( قُلْ - يا محمد للنّاس - إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (1) ، ويقول عزّ مَن قائل: ( إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ ) (2) ، وقال تعالى أيضاً: ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (3) ، فمَن صدّقَ به - تعالى وعزّ قائلاً - وآمنَ بأنّها من عنده سبحانه، وأنّه قادر على إنزالها متى شاء لمصلحة العباد والحكمةٍ تقتضيها مشيئته ولزوم الأمر، صدّقَ بحدوثها، ومَن كذّبَ بذلك فله مكان في حظيرة الملحدين والمكابرين يأوي إليها يوم الدّين، ولا شأن لنا معه ما زال سيكون لجهنّم حَطباً.
فالآيات من عنده سبحانه،.. ولا تصدر إلاّ عن أمره وبقدرته التي تفوق ما ألِفه النّاس عُرفاً وعادةً، فتنزل على يد الرّسول لمصلحة أمّته،.. وعلى يد وصيّ رسوله - لأنّه وليّه على الخلق - لإثبات وصايته وولايته، فتكشف للناس على يد كلٍّ منهما صدق دعوته وكونه على الحق،.. ولا غرابة في نزولها حين نؤمن بحكمة الله تعالى، ولا تجفل نفوسنا من اسمها بمقدار ما تجفل حين وقوعها وصدورها.
____________________
(1) الأنعام: 37.
(2) الأنعام: 109.
(3) الرعد: 38، والمؤمن: 78.