فأخلى سبيله، فقال الخضر (عليه السلام): الحمد لله الذي أوقَعني في العبوديّة فأنجاني منها) (1) .
فهؤلاء صفوة من الناس، قد جَبلهم الله سبحانه من طينة علّيّين ففاقوا جميع العالمين؛ ولذا يستعصي على الباحث تحليل شخصيّاتهم الفذّة، وإدراك مغازي أفعالهم، إذ جعلهم خالقهم عزّ اسمه نماذج عُليا من الخلُق والطّيبة، تمثّل الحقّ والعدل والبِرّ والرّحمة، وبَرأهم على شاكلة النّاس، وهم على غير شاكلتهم بمعنى اصطفائهم وعطائهم الربّانيّ، وكونهم القدوة المثلى للبشر على الأرض.
***
ليس فوق قول أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قول لأحدٍ - بلاغةً وصدقاً وحكمةً - إذا استثنينا قول الله تبارك وتعالى، وقول رسوله (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّهم من أفصح مَن نطقَ بالضّاد، ومن أبرز مَن تكلّم بالصدق، ومن أصدق مَن جاهرَ بالحقّ،.. فما في حكمهم مَنفذ لاعتراض معترِض، إلاّ أن يردّ الإنسان على الله سبحانه وعلى رسوله - والعياذ بالله -؛ لأنّ قولهم مُنزل من المنزل ما حادوا فيه حرفاً عن القرآن الكريم، ولا عَدوا فيه لفظةً عن السنّة النّبويّة الشريفة؛ لأنّهم عِدل القرآن وحَملة السنّة، بل القرآن هو القرآن الصامت، وهم - هم - القرآن الناطق والسنّة المبيّنة.
ونحن نتحدّى ذوي الأفهام، وأرباب العلم والفضل، أن يطعنوا في قولٍ قالوه، أو حكم أصدروه، أو بيان فصّلوه، أو حكمةٍ نطقوا بها، أو أن يجدوا في جميع ذلك معارضةً لِما نزلَ من عند الله عزّ وعلا، أو اختلافاً عمّا جاء به رسوله محمد (صلّى الله عليه وآله)، في جميع ما أحلّوه وسائر ما حرّموه،.. وقد أجادَ مَن قالَ في كلام جدّهم أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق).
____________________
(1) الأنوار البهيّة: ص 256 - 257.