6%

اعتقالٌ.. وبراهين بين يثرب ودار السلاطين

وجاء المتوكل (1) - عدوّ العلويّين الّلدود - إلى الحُكم، فأخذَ يجتهد في إيجاد حيلةٍ للإيقاع بالإمام (عليه السلام) والبطش به، فيدفع الله تعالى عنه شرّه،.. ويحاول الحطّ من قدره في أعين الناس، فيرفعه سبحانه ويُلقي كيد الخليفة في نَحره فلا يصل إلى بُغيته، ويبقى غِلّه في صدره ويعجز عن النّيل من كرامة وليّ الله في أرضه،.. فيضطرّ إلى إكرامه وإجلاله وتفدّيه والإحسان إليه صاغراً، كلّما حاول أن ينتقص منه أو يهينه؛ إذ كان الإمام (عليه السلام) يريه من علمه وفضله وآياته ما يُبطل مَكرَه، ويهلع منه فؤاده ويختبط عقله كما سترى..

وكذلك كان عملاء العرش وأعوان الحاكم الظالم يدّعون على الإمام (عليه السلام) بما ليس فيه، وينمّون ويفترون، ويتّهمونه بأمورٍ لم يفعلها، تزلّفاً لأميرهم، وطمعاً في لذائذ دنياه، وملء كروشهم التي لا تشبع من ازدراد الحرام، فيبير الله سبحانه مكائدهم ويردّ حقدهم في قلوبهم، ويُبقي ذلك شجاً تغصّ به لهواتهم فيعانون مرارتها ويقاسون حرقتها..

____________________

(1) تأمّر المتوكل سنة 232هـ بعد وفاة الواثق الذي كان ابنه صغيراً وقصيراً، ولم يتلاءم قوامه مع ثوب الخلافة، فقام أحمد بن أبي دؤاد وألبسَ الثوب والعمامة للمتوكل وقبّل بين عينيه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فصار بذلك أميراً للمؤمنين!!!

انظر الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 278، ومن جميل المفارقات - وصُنع الله تعالى -: أنّ المتوكل غضبَ على قاضيه المتزلّف أحمد بن أبي دؤاد وقبضَ ضِياعه وأملاكه، وحَبسَ ابنه أبا الوليد وسائر أولاده، فحملَ أبو الوليد مئةً وعشرين ألف دينارٍ وجواهر قيمتها عشرون ألف دينار، ثمّ صولِح بعد ذلك على ستة عشر ألف درهم. انظر الكامل لابن الأثير: ج 5 ص 389 وتَصوّر هذه النوعيّة من قضاة المسلمين الشرفاء! ومن هذه البيعة بإمارة المؤمنين وأمثالها.