8%

حياته العلميّة (علمه إِلهامي)

لا فضيلة كالعلم، فإن به حياة الاُمم وسعادتها، ورقيّها وخلودها، وبه نباهة المرء وعلوّ مقامه وشرف نفسه.

ولا غرابة لو كان العلم أفضل من العبادة أضعافاً مضاعفه، لأنّ العابد صالح على طريق نجاة قد استخلص نفسه فحسب، ولكن العالم مصلح يستطيع أن يستخرج عوالم كبيرة من غياهب الضلال، وصالح في نفسه أيضاً، وقد فتح عينيه في طريقه، ومن فتح عينه أبصر الطريق.

وليس في الفضائل ما يصلح الناس وينفعهم ويبقى أثره في الوجود مثل العلم، فإن العبادة والشجاعة والكرم وغيرها اذا نفعت الناس فإنما نفعها مادام صاحبها في الوجود، وليس له بعد الموت إِلا حسن الاحدوثة، ولكن العالم يبقى نفعه مادام علمه باقياً، وأثره خالداً.

وقد جاء في السنّة الثناء العاطر على العلم وأهله، كما جاء في الكتاب آيات جمّة في مدحه ومدح ذويه، وهذا أمر مفروغ عنه، لا يحتاج الى استشهاد واستدلال.

نعم إِنما الشأن في أن هذا الثناء خاصّ بالعلم الديني وعلمائه، أو عامّ لكلّ علم وعالم ؟ إِخال أن الاختصاص بعلم الدين وعلمائه لا ينبغي الريب فيه فإن الأحاديث صرّحت به، وكفى من الكتاب قوله تعالى: «إِنما يخشى اللّه من عباده العلماء»(١) وقد لا تجد خشية عند علماء الصنعة وما سواهم غير علماء الدين، بل إِن بعضهم قد لا تجده يعترف بالوجود أو بالوحدانيّة.

وما استحق علماء الدين هذا الثناء إِلا لأنهم يريدون الخير للناس ويسعون له ما وجدوا سبيلاً ومتى كانوا وجدتهم أدلاء مرشدين هداة منقذين.

وعلم الدين إِلهامي وكسبي، والكسبي يقع فيه الخطأ والصواب والصحّة والغلط، وغلط العالم وخطأه يعود على العالم كلّه بالخطأ والغلط، لأن النّاس أتباع العلماء في الأحكام والحلال والحرام، واللّه جلّ شأنه لا يريد للناس إِلا العمل بالشريعة التي أنزلها، والأحكام التي شرّعها، فلا بدّ إِذن من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط، ولا يسهو ولا ينسى، ليرشد الناس الى تلك الشريعة المنزلة منه جلّ شأنه، والأحكام المشرّعة من لدنه سبحانه، فلا تقع الاُمّة في أشراك الأخطاء وحبائل الأغلاط، ولا يكون ذلك إِلا اذا كان علم العالم وحياً أو إِلهاماً.

____________________

(١) فاطر: ٢٨.