وكفى في وفرة الحديث عنهم ما جمعه بحار الأنوار للعلامة المجلسي(١) .
وإن اشتمل على الغثّ والسمين شأن المؤلّفات الواسعة، غير أنك اذا استقريت بعض كتبه عرفت وفرة ما فيه، ومن الغريب أن يكون هذا الكتاب الجامع الذي لم يؤلّف مثله حتّى اليوم قد فاته الشيء الكثير من حديثهم، فتصدّى بعض علماء العصر وفّقه اللّه(٢) لجمع كتاب مستدرك للبحار وقد جمع الى اليوم فيه الشيء الكثير.
وكان الصادقعليهالسلام يرغّب أصحابه في رواية الحديث فيقول لمعاوية بن وهب(٣) الراوية للحديث: المتفقّه في الدين أفضل من ألف عابد لا فقه له ولا رواية.
أقول: ولا إِخالك تستغرب من هذا التفضيل، لأن اللّه تعالى يريد من عباده أن ينفع بعضهم بعضاً، ويصلح بعضهم بعضاً، والعابد صالح، والمحدّث المتفقّه مصلح وصالح.
الفقه
إِن الفقه هو معرفة الأحكام الفرعيّة من الطهارات الى الديات، وهذه الأحكام مأخوذة من الأدلّة الأربعة واكثرها شرحاً وبسطاً - السنّة – وهي حديث الرسول وأهل بيته عند الشيعة، فكتُبُ الشيعة في الفقه مأخوذة من هذه الأدلّة الأربعة، واكثر السنّة حديثاً هو الحديث الصادقي، ولولا حديثه لأشكل على العلماء استنباط اكثر تلك الأحكام.
وما كان فقهاء الشيعة عيالاً عليه فحسب، بل أخذ كثير من فقهاء السنّة الذين عاصروه الفقه عنه، أمثال مالك وأبي حنيفة والسفيانين وأيوب وغيرهم، كما ستعرفه في بابه، بل ابن أبي الحديد في شرح النهج (١: ٦) أرجع فقه المذاهب الأربعة اليه، وهذا الآلوسي في مختصر التحفة الاثني عشريّة ص ٨ يقول: وهذا أبو حنيفة وهو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنّتان لهلك النعمان، يريد السنّتين اللتين صحب فيها الامام جعفر الصادقعليهالسلام لأخذ العلم.
____________________
(١) هو شيخ الاسلام الشيخ محمّد باقر ابن الشيخ محمد تقي المجلسي طاب ثراه وكان في أيّامه صاحب النفوذ في دولة الشاه حسين الصفوي وكانت حوزته العلميّة تجمع أَلف تلميذ، وله مؤلّفات اُخرى جليلة سوى البحار، وكانت ولادته عام ١٠٣٧، ووفاته عام ١١١٠ أو ١١١١ في اصفهان، وبها اليوم مرقده معروف يزار.
(٢) هو العلامة الجليل الكبير سنّاً وأخلاقاً ميرزا محمّد الطهراني نزيل سامراء اليوم.
(٣) الظاهر أنه البجلي الكوفي، الثقه الجليل، وقد روى عن الصادق والكاظمعليهماالسلام ، وله كتاب رواه عنه جماعة من أجلاء الرواة.