فصادق أهل البيت إِذن عالم أهل البيت في عصره وعالم العترة بالكتاب الجامع للعلوم والفنون، فمن ثمّة نستغني بما سلف عن التعرّض لبقيّة العلوم والشواهد على علمه فيها، فليس غريباً لو جاء الحديث أن الصادق كلّم الفُرس بلسانهم وأهل اللغات بلغاتهم وناظر أهل كلّ علم وفنّ فخصمهم مثل علماء النجوم والفلك والطبيعيات والطبّ وما عداها، وكلّ ذلك نطقت به الأخبار ودلّت عليه الآثار.
كيف صار مذهباً ؟
إِن المذهب في عرف أهل الاسلام هو المرجع في أحكام الدين، وهذا لا يقتضي أن يكون الصادقعليهالسلام دون الأئمة الأثني عشر مذهباً، لأن الشيعة الإماميّة ترى أن كلّ إِمام من اولئك الأئمة من عليّ أمير المؤمنين الى الغائب المنتظر يجب الأخذ بقوله والعمل برأيه، لأن علمهم - كما يرون - علم واحد موروث من الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم لا يختلفون في أخذه ولا يروون عن غيره، وعلمهم سلسلة واحدة يرثه الإبن عن أبيه من دون اجتهاد فيه ولا تحريف في أخذه ونقله.
بيدَ أن الفرص لم تسنح لواحد منهم في إِظهار ما استودعهم الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم وإِبلاغ ما استحفظهم عليه، كما سنحت للصادق جعفرعليهالسلام فإن الذي ساعد على بثّه للمعارف ونشره للعلوم الموروثة لهم من سيّد الرسلصلىاللهعليهوآلهوسلم إِجتماع عدّة اُمور:
١ - إن زمن استقلاله بالإمامة قد طال حتّى جاوز الثلاثين عاماً، ولئن كان جدّه زين العابدين وابنه موسى الكاظم وحفيده عليّ الهاديعليهمالسلام قد شاركوه في طول الزمن، وكانت أيام إِمامتهم تجاوزت الثلاثين عاماً أيضاً فإنه لم يتّفق لهم ما اتّفق له ممّا يأتي.
٢ - إن أيامه كانت أيام علم وفقه، وكلام ومناظرة، وحديث ورواية، وبدع وضلالة، وآراء ومذاهب، وهذه فرصة جديرة بأن يبدي العالم فيها علمه، ليقمع بذلك الأضاليل والأباطيل، ويبطل الآراء والأهواء، ويصدع بالحقّ، وينشر الحقيقة.
٣ - إِنّه مرّت عليه فترة من الرفاهيّة على بني هاشم لم تمرّ على غيره من الأئمة، فلم يتّفق له على الأكثر ما كان يحول دون آبائه وأبنائه من الجهر بمعارفهم بالتضييق عليهم ومنع الناس عنهم ومنعهم عن الناس من ملوك أيامهم.