25%

سيرته وأخلاقه ..(تمهيد)

إِن سيرة المرء تفصح عن سريرته، وسريرته مطويّة في سيرته.

قد يحاول غواة التدليس والرياء بحسن السمت والهدي إِخفاء ما انطوت عليه ضمائرهم وأجنته سرائرهم من الخديعة والاغواء، بيدَ أنه ما أسرع ما تفضح الأعمال تلك الطوايا، والأقوال هاتيك النوايا، فإن ما في القلب تظهره فلتات اللسان وحركات الأعمال.

ثوبَ الرّياء يشفّ عمّا تحتَه

فاذا التحفتَ بهِ فإنكَ عارِ

وقد يروم رجال من ذوي الأخلاق الفاضلة وأرباب العِرفان ألا تظهر منهم تلك السرائر النقيّة والضمائر الزكيّة، حذر الافتتان أو الشهرة، فلا يلبث دون أن تضوع تلك النفحات الذكيّة، ويضيء سناً تلك النفس القدسيّة.

وَمهما تكن عِندَ امرئ مِنَ خليقةٍ

وإِن خالَها تخفى على الناس تُعلم

وهذه ألسنة الخلق فإنها في الكشف عن الحقائق أقلام الحق.

نعم ربما تنبري فئة للدفاع عن تلك الشرذمة الخادعة عصبيّةً أو اغترازاً بظاهر تلك الشؤون الصالحة، أو تندفع زمرة للمسّ بكرامة هؤلاء الأبدال أتباعاً لقوم فتكت فيهم أدواء الحسد والأحقاد، أو الجهل والعناد، ولكن الحقيقة لا يجهلها البصير، وأن الشمس لا يسترها الغربال.

وها هو ذا الصادقعليه‌السلام تدّلنا سيرته وتعلمنا عن سريرته، أنه من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن العترة التي تركها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اُمّته لتكون بياناً عن كتابه الصامت، وليكونا معاً العروة الوثقى التي لا انفصام لها والتي ينجو المستمسك بها من مهاوي الضلال.

فكانت سيرته القويمة تريد بالناس إِخراجهم من الغواية الى الهداية، ومن العمى الى البصر، ومن الجهل الى العلم، وتلك السريرة مطويّة في هذه السيرة.

ونحن نورد من سيرته ما يعرب عن تلك الأخلاق العظيمة والنفسيّة القدسيّة العلويّة، التي لا ترى غير الجهاد في الإرشاد والإصلاح همّاً ولا همّة.