25%

آدابه في العِشرة

إِن الأخلاق الحميدة قد تكون غرائز نفسيّة، وطبائع فطريّة، أمثال السماحة والشجاعة والبشاشة والبلاغة، وقد تكون بالتعلّم والاكتساب مثل العبادة والزهادة والمعارف والعلوم والآداب.

وإِن من يسبر سيرة هاشم وبنيه يجدهم قد جمعوا الفضائل بقسميها، والأخلاق بشطريها، حتّى اذا نبغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بينهم وأخذ من كلّ فضيلة بأسماها كما يقتضيه منصبه الإلهي كان بنوه أحقّ من درج على سنّته واتّبع جميل أتره لا سيّما والفضيلة شعار قبيلتهم قبل هذا التراث من رسول الأخلاق والفضائل.

ومن يستقص سيرة أبي عبد اللّهعليه‌السلام يعرف أنه الشخصيّة المثاليّة لأبيه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما المرء إِلا بعمله، ولئن سكت عن بيان حاله فأعماله ترجمان ذاته وصفاته.

ولقد مرَّ عليك ما قاله العلماء في شأنه، وكفى عن تعريف شخصيّته ما قرأته من حياته العلميّة، وسوف تقرأ المختار من كلامه فتتمثل له منزلته في الأخلاق والفضيلة من تلك النوادر الغالية، وكان الجدير أن يكون مثالاً لكلامه قبل أن يحمل عليه رجاله والآخذين عنه.

فلا نستكبر منه إِذن أن يكون بين أصحابه كأحدهم لا تظهر عليه آثار العزّة وحشمة الإمامة، فقد خرج يوماً وهو يريد أن يعزّي ذا قرابة بفقد مولود له، ومعه بعض أصحابه فانقطع شسع نعله، فتناول نعله من رجله، ثمّ مشى حافياً، فنظر اليه ابن أبي يعفور(١) فخلع نعل نفسه من رجله وخله الشسع منها وناولها أبا عبد اللّهعليه‌السلام ، فأعرض عنه كهيئة المغضب ثمّ أبى أن يقبله، وقال: لا، صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها، فمشى حافياً حتّى دخل على الرجل الذي أتاه ليعزّيه.

وكان اذا بسط المائدة حثّهم على الأكل ورغّبهم فيه، ولربّما يأتيهم بالشيء بعد الشبع، فيعتذرون فيقول: ما صنعتم شيئاً إن أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا، ثمّ يروى لهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمثال ذلك لتطيب نفوسهم بالأكل وترغب بالزيادة، ويروي لهم هذا القول، أعني«أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا» عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سلمان والمقداد وأبي ذر. وقد يجيء بالقصعة من الارز بعد انتهائهم من الأكل، فاذا امتنع أحدهم من الأكل قال له: يعتبر حبّ الرجل لأخيه بانبساطه في طعامه، ثمّ يجوز له حوزاً ويحمله على أكله، واذا رآهم يقصرون في الأكل خجلاً قال لهم: تستبين

____________________

(١) سيأتي في مشاهير الثقات من أصحابه.