ومن ثمّ يجب أن يكون المؤمن شجاعاً غير هيّاب ولا نكل في سبيل الدين والحق، وكلّما كان أقوى إِيماناً كان أبسل وأشجع ولذلك تجد أنصار الحسينعليهالسلام وأهل بيته أبهروا العالم في موقفهم يوم الطف، وما كانوا أشجع الناس لولا ذلك الإيمان الثابت واليقين الراسخ والتوطين على معانقة الرماح والسيوف، ولو كان أهل الكوفة على مثل ذلك اليقين والتوطين والإيمان لما استقامت الحرب الى ما بعد الظهر في ذلك اليوم القايض وهم سبعون ألفاً والأنصار سبعون نفراً، ولما كان قتلى أهل الكوفة لا يحصون عدّاً.
ومن ههنا يستبين لنا أن الصادق لا بدّ أن يكون أشجع الناس وأربطهم جأشاً اذا دارت رحى الحرب، الحرب التي يفرضها الدين وتدعو اليها الشريعة.
زهده
إِن الزهد في الشيء الإعراض عنه، وإِنما يكون للزهد شأن يكسب الزاهد فضلاً اذا كان المزهود فيه ذا قيمة وثمن كبير، وأمّا اذا كان المزهود فيه بخساً لا شأن له يحتسب، ولا قدر يعرف فلا فضل في الزهد فيه، أترى أن الزهد في الشابّة النضرة الخلوق التي جمعت ضروب المحاسن والجمال وفنون الآداب والكمال، مثل الزهد في الشوهاء السوداء العجوز؟ ولا سواء.
فإنما يكون الزهد في الدنيا والإعراض عن لذائذها وشهواتها ذا شأن يزيد المرء قدراً ورفعة، ويكشف عن نفس زكيّة نقيّة، إِذا نظرها فوجدها حسناء فاتنة الشمائل، فولاها ظهره معرضاً عن جمالها، صافحاً عن محاسنها طالباً بهذا الإعراض ما هو أفضل عند اللّه وأطيب، وأمّا اذا تجلّت لديه سافرة النقاب مجرَّدة الثياب، واختبرها معاشرة وصحبة، فرآها شوهاء عجفاء، بارزة العيوب، قبيحة المنظر، سيّئة المخبر والمعشر، لا تفي بوعد، ولا تركن الى عهد، ولا تصدق بقول، ولا تدوم على حال، ولا يسلم منها صديق، فكيف لا يقلاها ساخطاً عليها متوحّشاً منها، وكيف لا ينظرها بمؤخّر عينيه نظر المحتقر الملول.
وإِننا على قصر نظرنا، وقرب غورنا، لنعرف حقّاً أن حياتنا هذه وإِن طالت صائرة الى فناء، وعيشنا وإِن طاب آيل الى نكَد، وإِننا سوف ننتقل من هذه الدار البائدة الى تلك الدار الخالدة، ومن هذا العيش الوبيل الى ذلك العيش الرغيد، وإِن كلّ لذَّة في هذه الحياة محفوفة بالمكاره، وكلّ عيش مشوب بالكدر، وإِن هذه الأيام الزائلة مزرعة لهاتيك الأيام الباقية، وهل يحصد المرء غير ما يرزع، ويجازى بغير ما يفعل، وهل يجمل بالعاقل البصير أن يفتن بمثل هذه الحياة واللذائذ ؟.