الإمامة
إن المسلمين على مذاهب في الإمامة بعد أن أجمعوا على وجوبها، باعتبار أنّ الإمام هو الجامع لشتاتها، والهادي لضلالها، والناهض بها لنشر أعلام الشريعة، وبثّ روح تعاليمها الحيّة.
ومن سياسة صاحب الشريعة وبدائع حكمة أمره بمعرفة الإمام، حتّى أنه جعل«من مات ولم يعرف إِمام زمانه ميتاً على الجاهلية» (١) ، كأن لم يدخل في ربقة الاسلام.
فهذا الفرض لو عمل به المسلمون، وقاموا بما يحتّمه الواجب من معرفته والاستماع لقوله بعد الوصول اليه لأصبحوا جيشاً واحداً وقائدهم الإمام، فلا يبقى عند ذاك امرؤ مسلم يجعل أحكام الدين، أو يعلمها ولا يعمل بها، ولا يبقى بلد في العالم لم تخفق عليه بنود الاسلام.
كانت الخلافة والإمامة ميداناً للسباق، لا يقبض على ناصيتها إِلا من حاز قصب السبق، ولو بالدماء المراقة، والحرمات المنتهكة، بل حتّى لو كان الخليفة نفسه بعد استلامه زمام الحكم ماجناً خليعاً لا يبالي بما فعل.
غير أن الشيعة الإمامية كانت من العهد الأوّل لا تقيم وزناً لمثل هذه الخلافة ولا تعترف بمثل هذه الإمامة، بل ترى أن الخليفة والإمام من كان جامعاً لصفات الكمال كلّها، عارياً عن خصال النقص جميعاً، عاملاً بأوامر الشريعة في السرّ والعلن آمراً بها، مرتدعاً عن نواهيها فيما ظهر وبطن ناهياً عنها، منصوصاً عليه من صاحب الشريعة، أو من الإمام قبله أمراً من اللّه سبحانه، لأنه تعالى أنظر لعباده، وأبصر بمن يصلح لهذا المنصب الخطير.
ولا ترى الإمام من قام بالناس بل الإمام من قامت الدلالة عليه، ودلّت الاشارة اليه، وإِن قعد الناس عن اتباعه، بل وإِن قاموا في وجهه صدّاً له عن أدائه فروض إِمامته وواجبات زعامته.
وإِن قعودهم عن طاعته أو قيامهم في معارضته لا تخدش في كفايته للنهوض بأعباء الإمامة، بل حظّهم اخطأوه وسبيل هدى أضاعوه.
فالإمام - على ما تراه الإماميّة - هو الحامل لأعباء الإمامة قام أو قعد، نطق أو سكت، تقدّم للسباق أو تأخّر، لأن إِمامته ليست باللباس المستعار يلبسه إِن استلبه من غيره، ويتعرّى عنه إِن استلبوه منه.
____________________
(١) هكذا الحديث في أصل الكتاب ولم نعثر عليه في الكتب الموجودة، والذي عثرنا عليه هو هذا النص«من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية» كنز العمال: ١/١٠٣.