16%

وكم شاهد وسمع من غدرة بعلوي، ونكثة بهاشمي، ولا يهمّه ذلك لو كان يصل الى غرضه كما فعل الحسينعليه‌السلام ، فليست نفسه بأعزّ من الدين عليه، ولكنه يعلم يقيناً بأن ذلك سيقضي على نفيس حياته، دون أن يسدي الى الدين نفعاً، ويجرّ له مغنماً أو أنه يلتزم الصمت أمام ذلك الصراع وفيه مسؤوليّة كبرى أمام اللّه وأمام صاحب الشريعة فلا بدّ إِذن من مخرج لتخليص الدين من هذا الصراع، مع سلامة نفسه وصفوة رجاله من مخالب تلك الاُسود الضارية.

فكانت سياسته الرشيدة في سبيل ذلك نشر العلوم والمعارف وبثّ الأحكام والحِكم وافشاء الفضائل، وكبح الضلالات بالحجّة في ظلّ (التقيّة) التي اتّخذ منها جنّة ودريئة لتنفيذ سياسته الحكيمة، فكانت تعاليمه خدمة للشريعة، وعباداته إِرشاداً للناس، ومناظراته مناهضة للبدع، فاستقام مجاهداً على ذلك الى أن وافاه الأجل.

فوجب أن نتكلّم عن التقيّة لأجل ذلك في فصل مستقل.

دليل التقيّة:

إن التقيّة من الوقاية، فهي جنّة تدرأ بها المخاوف والأخطار وموردها الخوف على النفيس من نفس وغيرها.

ودليلها: الكتاب، والسنّة، والعقل، والاجماع عند الشيعة، أمّا الكتاب فيكفي منه قوله تعالى( لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إِلا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه ) (١) فجوّز تعالى للمؤمنين أن يتظاهروا في ولاء الكافرين عند التقيّة والخوف من شرّهم، الى غيرها من الآيات التي سيرد عليك بعضها.

وأمّا السنّة فما جاء عن أهل البيت وغيرهم أكثر من أن يحصر، وسنذكر شطراً منه في طيّ هذا المبحث، وكفى من السنّة ما رواه الفريقان في قصّة عمّار، حتّى عذره اللّه سبحانه

____________________

(١) آل عمران: ٢٨.