16%

مواقفه مع المنصور وولاته

رزق أهل البيت فيما رزقوا الحكمة وكفى بها فضيلة، ولربما تعجب من مواقف الصادق مع المنصور ورجاله فإنك تارة تجده يلين بالقول ويجهد في براءته واُخرى يلاقيهم بالشدّة والعنف دون أن يعترف بشيء وإِن أساءهم موقفه.

والصادق أعرف بما يقول ويفعل، فقد يلين أن عرف أن اللين أسلم، وقد يخشن اذا عرف أن الخشونة ألزم، وليس اللين محموداً في جميع الأوقات والحالات، غير أن التمييز بين المواقف يحتاج الى حكمة وعرفان، فبينا تجده يخاطب المنصور بقوله: «واللّه ما فعلت ولا أستحلّ ذلك ولا هو من مذهبي وإني ممّن يعتقد طاعتك في كلّ حال وقد بلغت من السنّ ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيرّني في بعض حبوسك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب» واذا به يقول للمنصور على لسان الرسول: «فإن كففت وإِلا أجريت اسمك على اللّه عزّ وجل في كلّ يوم خمس مرّات» الى كثير من الموقفين، كما عرفت كثيراً من مواقف اللين، وستعرف الآن بعض المواقف من الشدّة.

إِنّا وإِن غبنا عن ذلك العهد لكننا لم نغب عن معرفة نفسيّة الامام الصادقعليه‌السلام ونفسيّة الدوانيقي، كما لم نغب عن تأريخ الحوادث في ذلك العهد.

إِن المنصور وإِن مَلك البلاد باسم الخلافة لكنه يعلم أن صاحبها حقاً هو الصادقعليه‌السلام ، وأنه صاحب كلّ فضيلة وأنه لو أراد الأمر لم يطق المنصور

أن يحول دونه، فمن ثمّ تراه أحياناً يصفح عن وخزات الصادقعليه‌السلام لا يريد أن تزداد الملاحاة في الكلام فتثير كوامن النفوس فتهيج ما يخافه من وثبة وثورة، غير أن شدّة الحبّ للمُلك والمُلك عقيم، والحبّ يعمي ويصمّ، تبعث المنصور على الاساءة للصادق والسعي لإهلاكه، فاذا عرف الصادق أن الموقف من الأوّل انبعث لإظهار الحقّ، وأن الموقف من الثاني قابله بلين ليكفّ بغيه وعدوانه.

وها نحن أوّلاً نورد بعض ما كان من الصادق مع المنصور وولاته من المواقف التي يعلن فيها بالحقّ غير مكترث بما له من سطوة ولولاته من قسوة.