والحفد! فيقول القاضي:
(ولا يجوز أن يضاف إلى عبد الله ، أو إلى أُبيّ بن كعب، أو زيد، أو عثمان، أو عليعليهالسلام ، أو واحدٍ من ولْدِه أو عترته جَحْد آيةٍ أو حذْفٌ من كتاب الله وتغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم... وإنّ كلام القنوت المروي عن أبيّ بن كعب الذي أثبته في مصحفه، لم تقم حجة بأنّه قرآن منزّل، بل هو ضَرْب من الدعاء، وإنّما روي عنه أنّه أثبته في مصحفه، وقد ثَبَّت في مصحفه ما ليس بقرآن، من دعاء أو تأويل)(١) .
ويقول الباقلاني: إنّ كلام القنوت المروي عن أُبيّ بن كعب وأثبته في مصحفه لم تقم الحجّة بأنّه قرآن منزّل، بل هو ضَرب من الدعاء!! وإنّه لو كان قرآنا لنُقل إلينا نَقْل القرآن وحصل العلم بصحته)(٢) .
فهذه الروايات التي نقلت من كتب أهل السنّة والتي تدلّ على التحريف، إمّا أنّها من خلط الصحابة، أو سهوهم، أو اجتهادهم الخاطئ في ذلك، وإمّا تخليط من الرواة لنقل هذه الروايات كذبا وافتراءً عليهم، فبعد ثبوت تواتر القرآن عند جميع المسلمين يجب طرح هذه الروايات وإن وجِدتْ في البخاري، أو مسلم ، أو غيرهما من السنن والصحاح...
قصّة البَسْمَلة والتّحريف
هنا قصة أخرى تدل أيضاً على قولهم بالتحريف وإن لم يصرّحوا به : وهو إدّعاء بعضهم عدم كون البسملة من الآيات القرآنية. يقول الزمخشري: قُرّاء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها على أنّ التسْمِية ليست بآية من فاتحة الكتاب ولا من غيرها من السور(٣) ورووا أيضا رواية في نزول البسملة بأنّها نزلت ابتداءً (بِسمِ الله ) وبعد مدة الحق بها (الرّحمن ) وبعد مدة نزلت بتمامها(٤) ، فمعنى هذا إنّ البسملة ليست من فاتحة الكتاب التي كان يقرؤها
____________________
(١) البرهان في علوم القرآن: ج٢ ص١٢٨.
(٢) نكت الانتصار لنقل القرآن: ص٨٠ ، وراجع مناهل العرفان: ج١ ص٢٦٤ عنه.
(٣) الكشّاف: ج١ ص١، وراجع حول نَفْيَهم ذلك: المرونة الكبرى: ج١ ص٦٤، وفقه السنة: ج١ ص١٣٦، وأحكام القرآن: لابن عربي ج١ ص٢، وروح المعاني: ج١ ص٣٧.
(٤) التشبيه والإشراف: ص٢٢٥، والسيرة الحلبية: ج٣ ص٢٣، وكنز العمال: ج٥ ص٢٢٤، والطبقات الكبرى: ج١ ص٢٦٣ و٢٦٤، وروح المعاني: ج١ ص٣٧، والعقد الفريد: ج٣ ص٤.