11%

مقتضيات المشاركة الحضارية للاجتهاد الفقهي

مقدِّمة

ما يحفِّز الباحثين وبعض مؤسَّسات الدِّراسات الدينية ودوائرها - وبخاصة في حقل العلوم الشِّرعية - إلى تقديم مشاريع إحيائية في ممارسة العمل الاجتهادي؛ ليس إلاّ شعورهم بأنَّ الوضعية الاجتهادية الحاضرة غير مستوعبة لمستجدَّات الحياة ومتطلَّبات العصر، وغير جاهزة للخوض في عمليَّة تنظيرية تخلق مناخاً نظرياً متلائماً مع حقيقة الحضارة الإسلامية.

عرفت الآونة الأخيرة صرخات عالية تدعو إلى ضرورة استئناف جهود جادة للانطلاق باتجاه التجديد والإحياء في الفقه والاجتهاد، من خلال ممارسة إعادة النظر في قواعد العمل الاجتهادي وضوابطه؛ لأجل تمكينه من القيام بالدور اللاّزم في التنظير الفقهي الشامل والمنسجم مع وظائف الفكر الديني، ومهمَّاته تجاه الإنسان والحياة.

إنَّنا، وفي الوقت الذي نتَّفق فيه مع دعاة الإصلاح والتجديد على أنَّ الحاجة ماسَّة، أكثر من أي وقت آخر، للحديث عن إحياء الفقه والاجتهاد الفقهي وتحديثهما، وهو ما سنتحدَّث عنه لاحقاً، سنبرهن على أنَّ سياسة الهدم والتدمير، قبل تحضير البديل وتأهيله، سوف تسفر حتماً عن كوارث كبيرة على التُّراث الإسلامي، وعلى أصالة الاجتهاد الفقهي وعمقه. نرى هذا في الوقت الذي نؤكِّد فيه: أنَّ الفقه الإسلامي في واقعه الراهن، غير جاهز للمواكبة والتصدِّي الحقيقي، بخاصة على صعيد التنظير وصياغة حلول فكرية تدعم مصداقية الحديث المتواصل عن الطاقات و(الظرفيَّات) الكبيرة للفقه الديني؛ الأمر الذي يدعونا جميعاً إلى استنفار الطاقات والإمكانيات العلمية والمنهجية الهائلة، للخروج بفقه يؤسِّس لتدبير الحياة، والإدارة الدينية لإنسان هذا العصر، ولمجتمعنا المعاصر، بكل ما تحتويه خصوصية هذا العصر الحاضر، وما تواجهه الأمة، ونظرية الدين المتكامل، من تحدِّياتٍ علمية، ونظرياتٍ هائلة، ترمي إلى النيل من مبدأ قدرة الدين على تلبية حاجات الإنسان والمجتمع، مهما تطوَّرا وتقدَّما.