ما يحظى بأهمية أكثر من هذه الخطبة ويعتبر تحذيراً جدياً للناس هو، ما يصوّر ويرسم الوضع الروحي والثقافة العامة للناس في المستقبل، وما خضع للبحث والنقاش في هذا الكتاب من آيات القرآن ومن كلام عليعليهالسلام رغم أنّه خطاب موجّه للناس، لكن الحديث في الكثير منه موجّه إلى خواص المجتمع، والذين لهم التأثير على ثقافة المجتمع، في هذه الخطبة يتنبّأعليهالسلام بكل وضوح بالوضع الروحي وبالثقافة الدينية للناس في المستقبل، ويحذّرهم من الابتلاء بمثل هذه الثقافة أو الغفلة إزاءها، وبعد بيانهعليهالسلام للروح الحاكمة على بعض خواص المجتمع من أنّهم ولغرض بلوغ مآربهم وأهدافهم الدنيوية، ينسبون إلى الله ورسوله أنكى الافتراءات والأكاذيب، ويفسّرون القرآن والدين بآرائهم، ويجرفون الناس نحو الضلال، يتنبّأعليهالسلام بالثقافة السائدة على عامة الناس كما يلي: إنّ حال أهل ذلك الزمان هو، إذا ما فُسّر كتاب الله وتلي حق تلاوته فهو أنجس شيء لديهم، وهو أكثر شيء رواجاً وازدهاراً عندهم إذا ما فُسّر طبقاً لأهوائهم النفسية، والقيم الدينية والإلهية هي أنكر الأشياء في نظر الناس في ذلك الزمان، أمّا القيم المناهضة للدين فهي تُعتبر من أحب الأمور.
لا يخفى على الواعين أنّ أعداء القرآن والقوى المستكبرة تعمل اليوم على تحكيم مثل هذه الثقافة على مجتمعنا، ففي إطار مؤامرة الغزو الثقافي يحاولون من خلال الهجوم على المقدسات الدينية، وترويج القيم المناهضة للدين، لأن يُحكموا على مجتمعنا ذلك الوضع، الذي تنبّأ به أمير المؤمنينعليهالسلام ، وحذّر الناس من الوقوع به.
ويستطردعليهالسلام قائلاً : لا ترى في ذلك الزمان من العارفين بكلام الله، ومن حَفَظة القرآن، الذين واجبهم الحفاظ على القيم الدينية، سوى التناسي والتقاعس في أداء الواجب، ورغم أنّ القرآن وأتباعه الصادقين وعلماء الدين في ذلك الزمان هم بين الناس، لكنّهم في الحقيقة بمعزلٍ عنهم، والناس بمنأىً عنهم أيضاً؛ لأنّ الناس يُقصونهم