14%

واقتداراً، ثمّ يقول :( وَلاَ تَتَوَلّوْا مُجْرِمِينَ ) ، أي إيّاكم أن تعرضوا عن الله دون توجه واستغفار إليه وانتم مجرمون مذنبون، ولا تحرموا أنفسكم من الرحمة الإلهية.

بالرغم من أنّ جميع الأسباب الطبيعية لنزول المطر وكل نظام العلة والمعلول الحاكم على الطبيعة، بيد القدرة الإلهية وتعمل بإرادته جلّ وعلا , لكن الله سبحانه وتعالى ودون أن يضعها في نظر الاعتبار، يقول استغفروا لذنوبكم وعودوا إلى الله، إذ ذاك نوعز للسماء أن تُنزل مطرها عليكم.

ربّ قائل يقول ليس مراد الله سبحانه وتعالى أن ينزل المطر دون تحقق الأسباب الطبيعية، بل المراد هو أنّنا نُنزل المطر عليكم عبر توفير الأسباب الطبيعية، والرد هو أنّ هذه الرؤية لا تنسجم مع الرؤية التوحيدية؛ لأنّه وكما تقدم القول ليس الأمر أنّ الله قد اعجز نفسه عن خلق الظواهر دون أسبابها وعللها الطبيعية بخلقه لنظام العلّة والمعلول، فهو تعالى يقول بصدد قدرته على خلق الأشياء :( إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (١) فإذا ما تعلقت إرادته جلّ وعلا بشيء فستتحقق إرادة الله ويتحقق ذلك الشيء.

الحكمة من بعض الابتلاءات

فضلاً عن الأمور المتقدمة، قد تستدعي حكمة الله سبحانه وتعالى ورحمانيته أن يمنّ على عباده بلطفه، وينزل عليهم نعمته من خلال طرق غير طبيعية، ولأجل ذلك فقد يضع جلّ وعلا أسباباً وعللاً أخرى غير الأسباب والعلل المادية، ويدعو الناس لأن يجعلوا من أنفسهم مستحقين لنزول الرحمة والنعم الإلهية بتوسلهم بتلك الأسباب، وهذا بدوره مقتضى اللطف والحكمة الإلهية أيضاً.

إنّ نظام الخلق يقوم على أساس الحكمة، والهدف من خلق الإنسان هو الهداية والتكامل، وإنّ الهداية والتكامل إنّما يحصلان، في ظل المعرفة والتدبر بآيات الله ،

____________________

(١) يس : ٨٢.