يوضّح عليعليهالسلام المضمون الآنف الذكر بتشبيه رائع جداً، ويدعو الناس للعمل بالقرآن وصيانة أحكامه الحياتية والدفاع عنها : ( فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ )(١) .
بعد بيانهعليهالسلام للمطالب المتقدمة من أنّ القرآن دواء وعلاج لأعظم أدواء المجتمع، يوصي الناس : باتّباعكم للقرآن تلمّسوا منه دواء أدوائكم، وأقبلوا على الله بعملكم بالقرآن، ولا تجعلوا القرآن وسيلةً للاستعانة بالآخرين.
ثم ينبّهعليهالسلام من خطر ابتعاد الناس عن القرآن، ويدعوهم إلى اتّباع هذا الكتاب السماوي، والاقتداء به نظرياً وعملياً : ( يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ، فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَاسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ )(٢) فعندما تقوم القيامة وتُبعث الخلائق للحساب ونيل العقاب والثواب، ينادي منادٍ فيُخبر أهل المحشر بهذه الحقيقة قائلاً : أيّها الناس اعلموا، أنّ كل إنسان مرهون اليوم بعاقبة عمله ومبتلى بآثار ومردودات ومحصول ما زرع، إلاّ الذين صاغوا عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم في الدنيا على أساس تعاليم القرآن وتوجيهاته، هؤلاء فقط الراضون عن عاقبة ونتيجة أعمالهم وأخلاقهم وعقائدهم، ولا يشعرون بالغبن أبداً.
إنّ حياة كل مخلوق ومن بين ذلك الإنسان محدودة، فهذه الحياة تبدأ من نقطة زمانية معيّنة وتنتهي بالموت في نقطة زمانية محدّدة أيضاً، والإنسان على امتداد هذه الفترة المحدّدة يعيش حالة الصيرورة، وتمر شخصيته بحالة من الصياغة، فتصبح شخصية
____________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٧٥.
(٢) نفس المصدر السابق.