الإنسان التي تنبثق عن معتقداته وقناعاته منشأً لأعماله وأخلاقه، وإنّ أعمال الإنسان وأخلاقه تتجسد يوم القيامة، وسيبتلي كل إنسان بمردودات ونتائج أعماله.
الأمر الذي حريّ التذكير به هنا هو : أنّ الإنسان مادام لم يرحل الدنيا فبإمكانه التعويض عن ما فاته من خلال المحاسبة وإعادة النظر في أفكاره وعقائده وأعماله في كل آن، وتغيير مصيره نحو السعادة والفلاح دنيوياً وأخروياً، فما أكثر الذين عادوا إلى أنفسهم في غضون لحظة واحدة وبقرار واحدٍ وتوبةٍ حقيقية، بدّلوا ماضيهم الأسود إلى مستقبل مشرق وسعيد، وقطعوا طريق مِئة عام في ليلة واحدة، ولكن ينبغي الانتباه إلى أنّ فرصة وإمكانية إعادة النظرة وتدارك الماضي إنّما هي سانحة في هذا العالم فقط، وتنتفي إمكانية تداركه بعد الموت والرحيل من هذا العالم الفاني.
إذا ما نظّم الإنسان أعماله وأخلاقه في هذا العالم على أساس القرآن والأحكام والمعارف الإلهية وكان - كما يعبّر عليعليهالسلام - من حَرَثة القرآن فهو سيتنعم في الآخرة بثمارها وحصيلتها وسيكون سعيداً، ففرصة العمل والتدارك موجودة في الدنيا فقط، وعالم الآخرة ليس بمكان تدارك : ( اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل )(١) فاليوم يوم زراعة وعمل وليس هنالك حساب، وغداً يوم الجني والمحاسبة ولا وجود لفرصة العمل والتعويض.يقول عليعليهالسلام الخبير بالدنيا والآخرة والعلاقة بينهما، وداعي الخير للمسلمين والحريص عليهم : ( فكونوا من حَرَثة القرآن ) فإن كنتم تنشدون السعادة فاجعلوا زراعتكم وعملكم في مزرعة القرآن المباركة، كونوا من الذين يعمرون دنياهم وآخرتهم بتعاليم هذا الكتاب السماوي، اجعلوا القرآن مقتداكم كي لا تخسروا.
يبدو أنّ هنالك ثلاثة شروط أساسية لتحقيق النجاح في كل خطة وسياسة لاسيما على
____________________
(١) بحار الأنوار : ٣٢، ٣٥٤.