الفهم الصحيح للقرآن وبيان معارف الدين، فهؤلاء وطبقاً لأصول الحوار العقلائي هم الذين يميّزون عام القرآن عن خاصّه، ويشخّصون حدود معاني كلّ منها، ويعرفون مطلقه من مقيّده، ويفسّرون الآيات ببعضها، ويشخّصون ترابط كل آية بالآية الأخرى، ويراعون ذلك عند التفسير.
الأمر الآخر الذي ينبغي أن يحظى بالعناية في هذا المجال لا يقتصر على فهم القرآن ومعارف الدين، بل هو موضع قناعة من الجميع في سائر الفروع ومختلف الاختصاصات العلمية، وهو وجود درجات للفهم وتناسبها مع القدرات العقلية ومقدار السعي والجهد والدقة في الفهم الصحيح وتوضيح ذلك وهو :
من المسائل التي يفتي بها جميع الفقهاء تقريباً في الأبحاث الفقهية، ويعتبرونها واجباً على المقلّد هي مسألة تقليد الأعلم، فعلى هذا الأساس يقال إنّ الفقاهة والتخصّص في فرع الفقه واستنباط الأحكام ذات مراتب، وعلى كل مكلّف أن يقلّد الفقيه الأعلم أي الأكثر فهماً ومهارةً من الآخرين في استنباط الأحكام، ومَن يتمتع بتفوق في الفقاهة، وبطبيعة الحال أنّ سائر المراجع الذين ليسوا بمستوى ذلك الفقيه الأعلم هم فقهاء ومجتهدون أيضاً لكنّهم يأتون في مراتب تالية.
لا يخفى أنّ فتوى الفقهاء في وجوب تقليد الأعلم نابعة من منهج عقلائي أيضاً، فهي بالضبط كالرجوع إلى الطبيب المتخصص الذي له سنوات طويلة من الخُبرة في الطب، وأنّ تفضيله على الذي نال لتوه ترخيصاً بالطب منهج عقلائي، والعمل خلافاً لهذا المنهج عرضة للذم من قبل العقلاء.
إنّ فهم ومعرفة دقائق معارف القرآن لا يكون إلاّ في حدود قدرات المختصين والعارفين بعلوم أهل البيتعليهمالسلام ، الذين أفنوا عمرهم في فهم القرآن والمعارف الدينية، وفي ضوء مراتب فهم القرآن وتفسير هذا الكتاب السماوي