فمن الطبيعي أنّ الأمور والموضوعات المذكورة، كلما حظيت باهتمام ودقة أكثر كلما تضاءل احتمال الخطأ في تفسير آيات الله، ونقترب أكثر من الفهم الصحيح لهذا الكتاب السماوي.
التذكير السادس الذي نلفت إليه عناية القرّاء، هو وجوب معرفة القرائن الكلامية وشأن نزول الآيات، فبالرغم من أنّ القرآن الكريم قد نزل لكافة العصور والأجيال، وأنّ مخاطبيه هم أهل كافة الأعصار، لكن القرائن وشأن النزول والظروف الزمانية والمكانية التي نزلت فيها الآيات الكريمة كانت من الوضوح بالنسبة لأوائل المخاطبين والمعاصرين لنزول القرآن، لم يكن ليبقى أي مجال للشك والاختلاف في معناه وتفسيره، بالإضافة إلى أنّه لو كانت هنالك آية غامضة فلم يكن من الصعب وصول الناس إلى النبيصلىاللهعليهوآله ، أمّا اليوم حيث الابتعاد عن عصر النزول وإمكانية اختفاء القرائن وشأن النزول، تتضاعف ضرورة ووجوب توخّي الدقة في الفهم الصحيح للقرآن.
من ناحية أخرى أنّ معرفة المعاني الحقيقة واللغوية للألفاظ المستخدمة في القرآن الكريم من الأمور التي بدونها لا يتيسر الفهم الصائب، والتفسير الصحيح للقرآن، فربّما تؤدي الغفلة عن التطور المعنائي، الذي قد يطرأ في اللغة مع مرور الزمن إلى حدوث الخطأ وسوء الفهم، فعلى سبيل المثال من الواضح للجميع معنى ومفهوم كلمة ( التقية )، فالمراد من هذه الكلمة في الثقافة العامة هو أن يخفي المرء معتقده ودينه، ويوحي بما يجعل مخاطبه لا يعرف بمعتقده ودينه الحقيقي، بينما المعنى اللغوي للتقية هو الورع وقد استخدمت بهذا المعنى في القرآن ونهج البلاغة، ورغم عدم وجود مفردة تقية في القرآن ولكن قد وردت مفردة ( تقاة ) المرادفة للتقية والتقوى في الآية :( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) (١) .
____________________
(١) آل عمران : ١٠٢.