أضف إلى ذلك: أنّ تغسيل الميت المسلم واجب شرعاً.
رأى الإِمام أنّ يتامى فاطمة ينظرون إلى أُمّهم البارّة الحانية، وهي تُلفّ في أثواب الكفن، إنّها لحظة فريدة في الحياة، لا يستطيع القلم وصفها، إنها لحظة يهيج فيها الشوق الممزوج بالحزن، إنّه الوداع الأخير الأخير!!
هاجت عواطف الأب العطوف على أطفاله المنكسرة قلوبهم، فلم يعقد الخيوط على الكفن، بل نادى - بصوت مختنق بالبكاء -: يا حسن يا حسين يا زينب يا أُم كلثوم هلمّوا وتزوّدوا من أُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة!!
كان الأطفال ينتظرون هذه الفرصة وهذا السماح لهم لكي يودّعوا تلك الحوراء، ويعبّروا عن آلامهم وأصواتهم ودموعهم المكبوتة المحبوسة، فأقبلوا مسرعين، وجعلوا يتساقطون على ذلك الجثمان الطاهر كما يتساقط الفَراش على السراج.
ونادى الحسنان: وا حسرةً لا تنطفئ أبداً، من فقد جدّنا محمد المصطفى وأُمّنا فاطمة الزهراء، يا أُمّ الحسن يا أُمّ الحسين إذا لقيت جدَّنا محمداً المصطفى فاقرأيه منّا السلام وقولي له: إنّا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا.
كانوا يبكون بأصوات خافتة، ويغسلون كفن أُمّهم الحانية بالدموع، فتجفّفها الآهات والزفرات.