كان المنظر مشجياً مثيراً للحزن، فالقلوب ملتهبة، والأحاسيس مشتعلة والعواطف هائجة، والأحزان ثائرة.
وهنا حدث شيء يعجز القلم عن تحليله وشرحه، وينهار أمامه قانون الطبيعة، ويأْتي دور ما وراء الطبيعة، فالقضية عجيبة في حدّ ذاتها؛ لأنّها تحدّت الطبيعة والعادة:
يقول عليعليهالسلام وهو إذ ذاك يشاطر أيتام فاطمة في بكائهم وآلامهم.
يقول: (أُشهد الله أنّها حنَّت وأنَّت وأخرجت يديها من الكفن، وضمَّتهما إلى صدرها مليّاً).
إن كانت حياة السيدة فاطمة الزهراء قد تعطّلت فإنّ أحاسيسها وإدراكها لم تتعطّل، وإن كانت روحها الطاهرة قد فارقت جسدها المطهّر فإنّ علاقة الروح لم تنقطع عن البدن بعد، فلروحها القويّة أن تتصرّف في جسمها في ظروف خاصة وموارد معيّنة.
كان ذلك المنظر العجيب مثيراً لأهل السماوات الذين كانت أبصارهم شاخصة نحو تلك النقطة من بيت عليعليهالسلام فلا عجب إذا ضجّت الملائكة وشاركت أهل البيت في بكائهم، فلا غرو إذا سمع الإِمام علي صوت أحدهم يهتف قائلاً: يا علي! ارفعهما فلقد أبكيا ملائكة السماوات وقد اشتاق الحبيب إلى حبيبه.
يتقدّم الإِمام ليرفع طفليه عن صدر أُمهما، وعيناه تذرفان بالدموع.
وانتهت مراسيم التكفين والتحنيط، وجاء دور الصلاة عليها ثم الدفن.
لقد حضر الأفراد الذين تقرّر أن يشتركوا في تشييع الجثمان ومراسم