بين الشافعي وتلامذة أبي حنيفة
ولو أنّ أحداً مِن الحنفيّة جوّز لنفسه الطعن والتشنيع على هؤلاء الأئمّة والتكذيب لهم ، فليس له أن يُقدِم على تكذيب الشافعيّ نفسه ؛ لأنّه أحد أركان الدين عند أهل السنّة كلّهم ، وقد جاء في غير واحدٍ مِن الكُتب طعن الشافعي على أبي حنيفة وأصحابه وفتاواه ، فالسبكي يروي في ( طبقات الشافعية ) عن إمامه الشافعي أنّه قال :
( كَتب مطرف بن مازن إلى هارون الرشيد : إنّ أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج مِن يديك ، فأخرج عنه محمّد بن إدريس ـ وذكر أقواماً مِن الطالبيّين ـ قال : فبعث إليَّ حمّاد البربري ، فأُوثِقْتُ بالحديد حتّى قَدِمنا على هارون بالرقّة قال : دخلت على هارون قال : فأُخرجت مِن عنده قال : وقدمتُ ومعي خمسون ديناراً قال : ومحمّد بن الحسن يومئذ بالرقّة قال : فأنفقت تلك الخمسين ديناراً على كُتبهم قال : فوجدت مَثَلهم ومَثَل كتبهم مَثَل رجل كان عندنا يقال له فروخ وكان يحمل الدهن في زقّ له ، فكان إذا قيل له عندك فرستان ؟ قال : نعم فإن قيل عندك زنبق ؟ قال : نعم ، فإذا قيل له : أرني ـ وللزقّ رؤوس كثيرة ـ فيخرج مِن تلك الرؤوس وإنّما هي مِن واحدة ، وكذلك وجدت كتاب أبي حنيفة ، إنّما يقولون كتاب الله وسنّة نبيّهعليهالسلام ، وإنّما هم مخالفون له )(١) .
قال السبكي :
( قال ـ أي الشافعي ـ : فسمعت ما لاأُحصيه محمّد بن الحسن يقول : إن
_______________________
(١) طبقات الشافعية ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ مع اختلافٍ يسير .