كلام ابن الجوزي في ذمّ القياس
هذا ، وقد ذكر ابن الجوزي تلبيس إبليس على الفقهاء بالأخذ بالقياس وغيره ، حيث قال في كلامٍ طويل :
( ذكر تلبيسه على الفقهاء : كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث ، فما زال الأمر يتناقص حتّى قال المتأخّرون : يكفينا أن نعرف آيات الأحكام مِن القرآن ، وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسُنن أبي داود ونحوها ، ثمّ أهْوَنوا بهذا الأمر أيضاً وصار أحدهم يحتجّ بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا ، وربّما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم ، وإنّما الفقه استخراج مِن الكتاب والسنّة فكيف يستخرج مِن شيء لا يعرف ، ومِن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدرى أصحيح هو أم لا ؟
ولقد كانت معرفة هذا تصعب ، ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتّى يعرف ، فيصنّف الكتب ويقرّر السُنن ويعرف الصحيح مِن السقيم ، ولكن غلب المتأخرين الكسلُ بمرّة عن أن يطالعوا علم الحديث .
حتّى إنّني رأيت بعض الأكابر مِن الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ الصحاح : لا يجوز أن يكون رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال هذا ، ورأيته يحتجّ في مسألة فيقول : دليلنا : ما روى بعضهم أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال كذا ، ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتجّ به خصمه أن يقول : هذا الحديث لا يُعرف .
وهذا كلّه خيانة على الإسلام .