4%

كلام ابن عربي في ذمّ القياس

وتكلّم غوثهم الأعظم ابن عربي في الأخذ بالرأي والعمل بالقياس ، حيث قال في ( الفتوحات ) :

( قال الله تعالى لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) ولم يقل : بما رأيت ، بل عتبه سبحانه وتعالى لمّا حرّم على نفسه باليمين في قضيّة عائشة وحفصة ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) فكان هذا ممّا أرته نفسه ، فهذا يدلّك أنّ قوله تعالى :( بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) أنّه ما يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه ، فلو كان الدين بالرأي لكان رأي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى مِن رأي كلّ ذي رأي ، فإذا كان هذا حال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أرته نفسه ، فكيف رأي مَن ليس بمعصوم ومِن الخطأ أقرب إليه مِن الإصابة ؟ .

فدلّ أنّ الاجتهاد الذي ذكره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو في طلب الدليل على تعيين الحكم في المسألة الواقعة لا في تشريع حكم في النازلة ، فإنّ ذلك شرع لم يأذن به الله .

ولقد أخبرني القاضي عبد الوهّاب الأزدي الإسكندري بمكّة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال : رأيت رجلاً مِن الصالحين بعد موته في المنام فسألته : ما رأيت ؟ فذكر أشياء مِنها قال : ولقد أُريت كتباً موضوعة وكتباً مرفوعة ، فسألت : ما هذه الكتب المرفوعة ؟ فقيل لي : هذه كتب الحديث فقلت : وما هذه الكتب الموضوعة ؟ فقيل لي : هذه كتب الرأي ، حتّى يُسأل عنها أصحابها ، فرأيت الأمر فيه شدّة .

اعلم ـ وفّقك الله ـ إنّ الشريعة هي المحجّة البيضاء ، محجّة السعداء