الفنّ والالتزام
ما دام ( الفنّ ) يوظَّف أساساً من أجل تحقيق المهمة العبادية، حينئذٍ يتعيّن على الباحث الإسلامي تحديد معالم ( التوظيف ) المذكور، وهو ما يطلق عليه أدباء الأرض مصطلح( الالتزام ) .
إنّ ظاهرة ( الالتزام ) في التصوّر الأرضي ( ونقصد به: التصوّر غير الإسلامي ) تمتد بجذورها إلى العصر الإغريقي، مروراً بالعصر الوسيط فالعصر الحديث، وتبلورها بخاصة في سنواتنا المعاصرة عبر ربط الفن بالموقف الفلسفي العام من الكون والمجتمع والفرد...
بَيْدَ أنّ اتجاهات أرضية متنوّعة لا تُعنى بقضية ( الالتزام ) بقدر ما تعنى بالفن من حيث كونه يحقّق ( إمتاعاً ) جمالياً فحسب، بغضّ النظر عن محتوياته الفكرية، وهو أمر قد اقتادَ الباحثين منذ القديم إلى طرح السؤال التقليدي الذي قد ابتذله الاستخدام، ونعني به السؤال القائل:( هل الفن للحياة، أم الفن للفن ؟ ) .
في تصوّرنا أنّ طرح مثل هذا السؤال خاطئ أساساً ؛ فليس من المعقول - مثلاً - أن يختلف اثنان في أنّ الحياة موظّفة للإنسان، يستثمرها لإشباع حاجاته المختلفة، سواء أكان ذلك ( فنّاً ) أم ( سلاحاً نارياً ) في ساحة المعركة... من هنا، فإنّ الفنّ المعاصر تجاوزَ طرح مثل هذا السؤال ؛ لمفروضيته في الذهن.
بَيْدَ أنّ الاختلاف في وجهات النظر ( ونقصد بذلك:الاتجاهات غير الإسلامية ) تبدأ من صعيد آخر، هو: تحديد نمط ( الوظيفة ) التي يضطلع ( الفن ) بها، ومن ثَمّ تحديد نمط ( الإشباع ) للحاجات. فهناك من الباحثين مَن يعالج الظاهرة من خلال المعيار الاجتماعي والفردي، فإذا تناولَ الشاعر أو القاص، مشكلة اقتصادية أو سياسية مثلاً، أو أيّة مشكلة تتصل بالهموم العامة للإنسان، يكون ( الفن ) حينئذٍ منتسباً ل- ( الحياة ). أمّا إذا عولِجت من الزاوية الفردية التي تحوم على هموم ( الذات )، يكون ( الفنّ ) حينئذ منتسباً ل- ( الفن ) وليس للحياة.
وهناك من الباحثين مَن يعالج الظاهرة من صعيد آخر، هو:الحاجات الأوَّليَّة والحاجات الثانوية. فإذا عالجَ القاص أو المسرحي أو الشاعر، قضية ذات صلة بحاجات الإنسان الرئيسة، مثل: مشكلة الجوع أو المرض، أو أيّة حاجة لا مناص من إشباعها، كان الفن حينئذٍ منتسباً ل- ( الحياة ). أمّا