ومثله قوله سبحانه:( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) (١) فالتوبة هنا من الله على عبده، ومعنى الآية أنّه سبحانه اصطفى آدم لأجل تلقّيه الكلمات وسؤاله بها، فعندئذ رجع الله عليه بالرحمة وهداه سبحانه وأخرجه من الغواية التي غشيته، والظلمة التي اكتنفته، لأجل عدم الإصغاء إلى نصحه سبحانه وتقديم نصح غيره عليه.
نعم إنّ لفظة( فَتَابَ عَلَيْهِ ) في سورتى البقرة وطه، دالة على أنَّ آدم ( تاب إلى ربه )، ولأجل توبته إلى الله ورجوعه إليه بالندامة، تاب الله عليه ورجع عليه بالرحمة والهداية، ولكن لا دلالة لكل رجوع وإنابة إلى الله، على وقوع الذنب وصدوره منه، خصوصاً بالنظر إلى ما قدّمناه في التفسير الثاني لمخالفة آدم، وقلنا إنَّ من الممكن أن يكون نفس العمل جائزاً ومباحاً ولكن يعد صدوره من بعض الشخصيات محظوراً وأمراً غير صحيح، فإنابة تلك الشخصيات إلى الله في تلك المجالات لا تعد دليلاً على صدور الذنب، بل تعد دليلاً على سعة علمها بالعظمة الإلهية؛ ولأجل ذلك يقال: ( حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ) وقال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إنّه ليران على قلبي وإنّي استغفر الله كل يوم سبعين مرّة )(٢) وليس هذا الاستغفار دليلاً على صدور الذنب، بل هو دليل على سعة علمه وعمق إدراكه لعظمة الله.
بقيت هنا كلمة وهي توضيح قوله سبحانه:( وإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
____________________
١ - طه: ١٢٢.
٢ - صحيح مسلم: ٨/٧٢، كتاب الذكر، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه وفيه: ( ليغان ) مكان ( ليران )، وهو من مادة ( الغين ) أي الستر.