5%

ما يبقيهعليه‌السلام على سمة العصمة، والموعظة لا تستدعي وقوع الذنب وصدوره بل ربّما يكون الهدف التحفّظ على أن لا يصدر الذنب منه في المستقبل؛ ولذلك امتثلعليه‌السلام نهي ربّه وقال:( أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) (١) .

جواب ثالث للوجه الثاني

هذا وللعلاّمة الطباطبائي جواب ثالث أمتن من الجوابين السابقين حيث قال: إنّ قول نوح:( رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) في مظنّة أن يسوقه إلى سؤال نجاة ابنه، وهو لا يعلم أنّه ليس من أهله، فشملته العناية الإلهية وحال التسديد الغيبي بينه وبين السؤال فأدركه النهي بقوله:( فلا تسألن ما ليس لك به علم ) بتفريع النهي على ما تقدّم، مخبراً نوحاً بأنّ ابنك ليس من أهلك؛ لكونه عملاً غير صالح، فلا سبيل لك إلى العلم به، فإيّاك أن تبادر إلى سؤال نجاته؛ لأنّه سؤال ما ليس لك به علم، والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقّق السؤال منه لا مستقلاً ولا ضمناً، والنهي عن الشيء لا يستلزم الارتكاب قبلاً، وإنّما يتوقف على أن يكون الفعل اختيارياً ومورداً لابتلاء المكلّف، فإنّ من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم، وكلّما اقتربوا ممّا من شأنّه أن يزل فيه الإنسان نبّههم الله لوجه الصواب، ودعاهم إلى السداد والتزام طريق العبودية، قال تعالى:( وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (٢) .

وممّا يدل على أنّ النهي في قوله( فلا تسألن ) نهى عمّا لم يقع بعد، قول

_____________________

١ - الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال للإمام ناصر الدين الاسكندري المالكي: ٢/١٠١ على هامش الكشاف.

٢ - الإسراء: ٧٤ - ٧٥.