كان كلاماً أُلقي على صورة الجد ليكون ذريعة لإبطال عبادتهم وشركهم، وكانت القرائن تشهد على أنّه ليس كلاماً جديّاً ولو كان هذا الكلام صادراً من عاقل غير النبيعليهالسلام لأجزنا لأنفسنا أن نقول: إنّ الغاية، الاستهزاء والتهكّم بعبدة الأصنام والأوثان حتى يتنبّهوا بذلك الوجه إلى بطلان عقيدتهم.
ولمّا كان هذا النمط من الحوار والاحتجاج الذي سلكه إبراهيم في غاية القوّة والمتانة؛ لم يجد القوم جواباً له إلاّ الحكم عليه بالتعذيب والإحراق شأن كل مجادل ومعاند إذا أُفحم، كما يقول سبحانه:( قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين ) (١) ، وفي آية أُخرى:( قَالُوا حَرّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) (٢) هذا هو الحق الصراح لمَن طالع القصّة في القرآن الكريم، ومَن أمعن النظر فيها يجد أنّ الجواب هو ما ذكرنا.
وربّما يجاب بأنّه لم يكذب وإنّما نسب الفعل إلى كبيرهم مشروطاً لا منجزاً، وإنّما يلزم الكذب لو نسبه على وجه التنجيز حيث قال:( بل فعله كبيرهم هذا فاسئَلوهم إن كانوا ينطقون ) فكأنّه قال: فعل كبيرهم هذا العمل إن كانت الأصنام المكسورة ناطقة، وبما أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، وكان الشرط - أعني نطقها - منتفياً كان المشروط - أي كون الكبير قائماً بهذا الفعل - منتفياً أيضاً.
وهذا الجواب لا ينطبق على ظاهر الآية؛ لأنّها تشتمل على فعلين:
أحدهما قريب من الشرط، والآخر بعيد عنه، ومقتضى القاعدة رجوع
____________________
١ - الصافات: ٩٧ - ٩٨.
٢ - الأنبياء: ٦٨.