وأمّا الآيات الواردة في سورة ( ص ) فهي التي وقعت ذريعة لبعض المخطِّئة من أنّه سبحانه ابتلى أيّوب ببعض الأمراض المنفِّرة، مع أنّه ليست في الآية إشارة ولا تلويح إلى ذلك إلاّ في بعض الأحاديث التي تشبه الإسرائيليات، قال سبحانه في سورة ( ص ):( واذكر عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ ) وقد عرفت معنى النصب، وأمّا العذاب فلا يتجاوز معناه ما يؤذي الروح من سوء الحال فقوله:( مسّني الشيطان ) عبارة عمّا ذكره في سورة الأنبياء بقوله:( مسّني الضر ) ، فنسب نزول النصب والعذاب في هذه الآية إلى الشيطان ولكنّه سكت عن فاعله في سورة الأنبياء، وعندئذٍ يجب إمعان النظر في معنى هذه الجملة فنقول: إنّه يحتمل أحد معنيين:
١ - أن يكون ما مسّه من الضرّ والمرض مستنداً إلى الشيطان بنحو من السببية والتأثير مكان استناده إلى الأسباب العادية الطبيعية، فكما أنّ الإنسان يصيبه التعب بواسطة العلل المادية، يصيبه التعب بنحو من مسّ الشيطان، كل ذلك بإذن منه سبحانه، وهذا المعنى هو الذي يستفاد من الروايات، وهو وإن لم يكن له مؤيّد في ظاهر الآية، غير أنّه ليس من الأمور المستحيلة، فإنّه إذا كان للعلل الطبيعية سلطان على الأنبياء في أمراضهم، فلا مانع من أن تكون للشيطان سلطة في خصوص هذا المجال لا في إضلالهم والتصرّف في قلوبهم وعقيدتهم، كل ذلك بإذن الله سبحانه، خصوصاً إذا كان ذلك لأجل الامتحان.
نعم، أنكر الزمخشري هذا السلطان قائلاً: بأنّه لا يجوز أن يسلّط الله الشيطان على أنبيائه ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره، فلو قدر على ذلك لم يدع صالحاً