5%

وثبات قوم يونس على إيمانهم وعدم انحرافهم عنه بعد كشف العذاب، ونكث الفراعنة بعد كشف الرجز عنهم، خير دليل على أنّ إيمان القوم كان إيماناً اختيارياً ثابتاً ونابعاً عن اليقين، وإيمان الفراعنة كان اضطرارياً ناشئاً عن الخوف.

والأوّل من الإيمانين يخرق حجب الجهل، ويشاهد الإنسان عبوديّته بعين القلب وعظمة الرب ونور الإيمان، فيصير خاضعاً أمام الله، يعبده ولا يعبد غيره.

والثاني منهما يدور مدار وجود عامل الاضطرار والإلجاء، فيؤمن عند وجوده ويكفر بارتفاعه، ولا يعد ذلك الإيمان كمالاً للروح ولا قيمة له في سوق المعارف، قال سبحانه:( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنينَ ) (١)

ولا شك أنّه تعلّقت إرادته التشريعية بإيمان الناس كلّهم بشهادة بعث الأنبياء وإرسال الرسل، ولكن لم تتعلّق إرادته التكوينية بإيمانهم، وإلاّ لم تتخلّف عن مراده وأصبح الناس كلّهم مؤمنين إيماناً لا عن اختيار، ولكن بما أنّه لا قيمة للإيمان الخارج عن إطار الاختيار، والناشئ عن الإلجاء والاضطرار؛ لم تتعلّق إرادته سبحانه بإيمانهم، وإليه يشير قوله:( ولو شاء ربك لآمن من في الاَرض كلهم جميعاً ) .

٢ - هل كان كشف العذاب تكذيباً لإيعاد يونس ؟

قد وعد سبحانه في كتابه العزيز بأنه يؤيّد رسله وينصرهم ولا يكذبهم وهو عزّ من قائل:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ) (٢) .

____________________

١ - يونس: ٩٩.

٢ - غافر: ٥١.