تصفه بها، وأنّ ذلك الفتح المبين دلّ على افتعالها وعدم صحّتها من أساسها وطهّر صحيفة حياته عن تلك النسب، وإليك توضيح ذلك ببيان أُمور:
لقد ذكر المفسّرون هنا وجوهاً، فتردّدوا بين كون المقصود فتح مكّة، أو فتح خيبر، أو فتح الحديبية.
لكنّ سياق آيات السورة لا يساعد الاحتمالين الأوّلين؛ لأنّها ناظرة إلى قصّة الحديبية والصلح المنعقد فيها في العام السادس من الهجرة، والفتح الذي يخبر عن تحقّقه ووقوعه، يجب أن يكون متحقّقاً في ذاك الوقت، وأين هو من فتح مكّة الذي لم يتحقّق إلاّ بعد عامين من ذلك الصلح حيث إنّ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم فتحها في العام الثامن من هجرته ؟!
ولأجل ذلك حاول مَن قال: إنّ المراد منه فتح مكّة، أن يفسّره: بأنَّ إخباره عن الفتح، بمعنى قضائه وتقديره ذلك الفتح، والمعنى قضى ربُّكَ وقدَّر ذاك الفتح المبين، فالقضاء كان متحقّقاً في ظرف النزول وإنْ لم يكن نفس الفتح متحقّقاً.
ولكنّه تكلّف غير محتاج إليه، وقصّة الحديبية وإن كانت صلحاً في الظاهر على ترك الحرب والهدنة إلى مدّة معيّنة لكن ذلك الصلح فتح أبواب الظفر للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم في الجزيرة العربية، وفسح للنبي أن يتوجّه إلى شمالها ويفتح قلاع خيبر، ويسيطر على مكامن الشر والمؤامرة، ويبعث الدعاة والسفراء إلى أرجاء العالم، ويسمع دعوته أُذن الدنيا، كل ذلك الذي شرحناه في أبحاثنا التاريخية كان ببركة تلك الهدنة، وإن كان بعض أصحابه يحقّرها ويندّد بها في أوائل الأمر.