اعتماد الناس على حامل الدعوة والقائم بالهداية، فاقتراف المعاصي ومخالفة ما يدعو إليه من القيم والخلق، يزيل من النفوس الثقة به والاعتماد عليه.
وبهذا البيان تظهر الإجابة عن سؤال لا يقصر في الضآلة عن السؤال الماضي، وهو ما ربّما يقال: إنّ أقصى ما يثبته هذا البرهان هو لزوم نزاهة النبي عن اقتراف المعاصي في المجتمع، وهذا لا يخالف أن يكون عاصياً ومقترفاً للذنوب في الخلوات، وهذا القدر من النزاهة كافٍ في جلب الثقة.
والجواب عن هذا السؤال واضح تمام الوضوح، فإنّ مثل هذا التصوّر عن النبي والقول بأنّه يرتكب المعاصي في السر دون العلن يهدم الثقة به، إذ ما الذي يمنعه - عندئذٍ - من أن يكذب ويتستّر على كذبه، وبذلك تزول الثقة بكل ما يقول ويعمل.
أضف إلى ذلك أنّه يمكن خداع الناس بتزيين الظاهر مدّة قليلة لا مدّة طويلة، ولا ينقضي زمان إلاّ وقد تظهر البواطن ويرتفع الستار عن حقيقته فتكشف سوأته، ويظهر عيبه.
إلى هنا ظهر أنّ ثقة الناس بالأنبياء إنّما هي في ضوء الاعتقاد بصحّة مقالهم وسلامة أفعالهم، وهو فرع كونهم مصونين عن الخلاف والعصيان في الملأ والخلأ، والسر والعلن، من غير فرق بين معصية دون أُخرى.
إنّ السيد المرتضى قد قرّر هذا البرهان ببيان آخر نأتي به.
قال ما هذا حاصله: إنّ تجويز الكبائر يقدح في ما هو الغرض من بعث الرسل، وهو قبول قولهم وامتثال أوامرهم ولا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلى مَن لا نجوّز عليه شيئاً من ذلك، وهذا هو معنى قولنا: