5%

معنى( بل نظنّكم كاذبين ) أنّ الناس صوّروا نفس الرسل كاذبين وأنّهم قد تعمّدوا التقوّل على خلاف الواقع، والمذكور في الآية المبحوث عنها ليس كون الرسل كاذبين بل كونهم مكذوبين، أي وعدوا كذباً وقيل لهم قولاً غير صادق وإن تصوّروا أنفسهم صادقين في ما يخبرون به، وبين المعنيين بون بعيد.

الثالث: ما رُوي عن ابن عباس من أنّ الرسل لمّا ضعفوا وغلبوا ظنّوا أنّهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال كانوا بشراً، وتلا قوله:( وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ) (١) .

وقال صاحب الكشّاف في حق هذا القول: إنّه إن صحّ هذا عن ابن عباس، فقد أراد بالظن ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأمّا الظن الذي هو ترجّح أحد الجائزين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربّهم، وأنّه متعالٍ عن خلف الميعاد منزّه عن كل قبيح(٢) .

وهذا التفسير مع التوجيه الذي ذكره الزمخشري - وإن كان أوقع التفاسير في القلوب - غير أنّه أيضاً لا يناسب ساحة الأنبياء الذين تسدّدهم روح القدس وتحفظهم عن الزلل والخطأ في الفكر والعمل، وتلك الهاجسة وإن كانت بصورة حديث النفس وشبه الوسوسة لكنّها لا تلائم العصمة المطلقة المترقّبة من الأنبياء.

الرابع ( وهو المختار )

إنّ المستدل زعم أنّ الظنّ المذكور في الآية أمر قلبي اعترى قلوب الرسل ،

_____________________

١ - البقرة: ٢١٤.

٢ - الكشّاف: ٢/١٥٧.