فصل
لما قُبضَ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، افتجع له الصغير والكبير، والرجال والنساء، وكثر عليه العويل والبكاء، فصارت المدينة ضجّة واحدة تذري الدموع عليه بالأسجام(١) ، ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام، فلم يكن إلاّ باكٍ وباكية، ونادبٍ ونادبة، وعظم رزؤه على أهل بيته الطيّبين، سيّما عليّ ابن عمّه وأخيه أمير المؤمنينعليهالسلام ، فنزل به من وفاة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ما لم يكن يظنّ الجبال لو حملته كانت تنهض به، وكان أهل بيته ما بين جازعٍ لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به؛ قد اذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستماع.
وساير الناس - من غير بني عبد المطلب - بين معزٍّ يأمر بالصبر، وبين مساعدٍ باكٍ لبكائهم، جازعٍ لجزعهم، ولم يكن بين الجميع أشدّ حزناً من مولاتنا فاطمة الزّهراء (صلوات الله عليها)، فقد دخل عليها من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ، وكان حزنها يتجدّد وبكاؤها يشتد، فلا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، وكلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل.
____________________
(١) سجم: أي سال.