قبل الدخول في أصل الدراسة لابدّ من الإشارة إلى أمرين:
أحدهما: أنّ بعض الفقهاء، وحين بحثهم عن الشهادة الثالثة، قد خلطوا بين النصوص الأذانية والنصوص الإيمانية الواردة في علي بن أبي طالب في الإسراء والمعراج والأدعية وتقارن ذكر الولاية مع ذكر النبّوة في كلّ الشريعة.
فلو أراد الفقيه الاستدلال على الجزئية الواجبة لما أمكنه التمسك بهذه الأدلة الإيمانية وحدها، بل عليه أن يأتي بنصّ خاص قد ورد في الأذان. وأمّا الذي يريد الإشارة إلى محبوبيّتها والتأكيد على رجحانها النفسيّ فيمكنه الاستدلال بذلك من باب وحدة الملاك وبقصد القربة المطلقة.
وثانيهما: الإشارة إلى حقيقة الأمر المركّب وأنّه يتألف من أجزاء متعدّدة، والجزء فيه لا يخلو من وجهين:
١ - إما أن يكون جزءاً واجباً، و يسمّى ب « جزء الماهية ».
٢ - و إما أن يكون جزءاً مستحبّاً، و يسمى ب ( جزء الكمال أو الفرد ) وقد عبرنا عنها بالجزئية تسامحاً.
والجزء الواجب هو ما يُقوّم ماهية المُركّب ولا يتحقّق المركَّبُ بدونه، بمعنى أنّ أمر الشارع يتعلّق بالمركّب دون الأجزاء، لأن الجزئية من الأحكام الوضعيّة لا التكليفية، وهي من الأمور غير القابلة للجعل(١) ، فالنزاع فيها لم يكن لفظيّاً حتّى يمكن تصحيحه، وعليه فالأمر يتعلّق بالكلِّ بما هو كلٌّ، فمثلاً الحجُّ مؤلّفٌ من
____________________
(١) بحث الأصوليون هذه المسألة في الاستصحاب، انظر: فوائد الأصول (تقريرات المرحوم النائيني بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي) ٤: ٣٨٠ - ٤٠٢ في بيان الأحكام الوضعية وتفصيل أقسامها حيث صرّحوا بأن الجزئية والشطريّة غير قابلتين للجعل وأنّ الأمر يتعلّق بالكلّ لا بجزئه.