بعد أن انتهينا من ذكر أقوال الشارع المقدّس مدعومةً بسيرة المتشرّعة فيها، وقبل أن نواصل البحث عن بيان هذه السيرة في عهد الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) إلى عهد العلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ هـ)، علينا تسليط الضوء على موقف المعصوم في عصر الغيبة، لأنّه الدليل الأقوى في هكذا مسألة. وموقف المعصوم ينكشف من حديثه الذي هو قوله وفعله وتقريره كما لا يخفى.
والقول هو الدليل الشرعي اللفظي الذي يُستَنَدُ إليه في عملية الاستنباط، وما قيل بأن ليس لدينا دليل شرعي لفظيّ على الشهادة الثالثة، لخلوّ الروايات البيانيّة الصادرة عن المعصومين من ذلك، يردّه حكاية الشيخ الطوسي والعلاّمة و يحيى بن سعيد الحلي بورود شواذ الأخبار فيه، وهو كافٍ لإثبات الحجية الاقتضائية للشهادة الثالثة لا الفعلية على التفصيل الآتي في القسم الثالث.
وفعلُ المعصوم دلالتُهُ صامتةٌ، أي ليس للفعل لسانٌ ليُتَمَسَّكَ بظهوره كما هو الشأن في الدليل الشرعي اللفظي، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن في أفعال الإمام والقول بالإباحة فيما يفعلهعليهالسلام ، وقيل بالاستحباب إذا كان الفعل الصادر منهعليهالسلام عبادة.
وما تركهعليهالسلام أو سكت عنه فإنّ سكوته عنه يدل على عدم وجوب الفعل عنده، وعلى عدم الاستحباب على بعض المباني، وقيل: إنّ سكوتهعليهالسلام هو إمضاء لفعل الآخرين، لأنّ المعصوم مكلّف كغيره من الناس، فلو كان السلوك الذي يراه عند