عَرِفنا ممّا سبق أنّ الظروف لم تكن مؤاتية للشيعة للإجهار بالشهادة بالولاية إلاّ بمعناها الكنائي الكامن في صيغة (حيّ على خير العمل)، فهم كانوا يقولونها في عهد الرسول وفي عهد الشيخين وفي العهد الأموي وفي العهد العباسي الأوّل خفيّةً، بعيداً عن أنظار الحكّام، لا على نحو الجزئية، لأنّها لو كانت جزءاً عندهم لما جاز لهم تركها، ولما اختلفوا في صيغها، وقد رأيت أنّهم يذكرونها إمّا على أنّها جملة تفسيرية، وإمّا لمحبوبيتها المطلقة المستفادة من عمومات اقتران الرسالة والولاية بالذكر، كما هو مفاد كثير من النصوص النبوية والولوية.
وقد حكي عن مجموعة من المفوِّضة، أو المتَّهمة بالتفويض والتي قد ظهرت في أيّام الغيبة أنّها تدّعي لزوم الإتيان بها على نحو الشطرية والجزئية وكونها من فصول الأذان وداخلة في ماهيته، ورووا في ذلك أخباراً، وهذا هو الذي ألزم بعض الفقهاء والمحدّثين كالشيخ الصدوقرحمهالله للوقوف أمامهم، لأنّه ليس بين ثنايا الأخبار الواصلة إلينا ما يدعو إلى وجوب ذكر الشهادة بالولاية في الأذان على نحو الجزئية، وبذلك فنحن لا نُخْرِجُ كلام شيخنا الصدوقرحمهالله من أحد ثلاث احتمالات: أن يكون هجومه على المفوّضة جاء لاعتقادهم بالجزئية، أو أنّهرحمهالله قالها تبعاً لمشايخه القميين، وقد يكون نصالفقيه قد صدر عنه تقيةً، وهذا الاحتمال الأخير تؤكّده بعض فقرات النص الآتي.
نحن لا نتردّد في أنّ الصدوقرحمهالله هو الفقيه الورع، ولا يمكنه بحسب قواعد الاستنباط المتّفق عليها بين الأمّة أن يفتي بعدم جواز الإتيان بالشهادة بالولاية،