قال المناوي في فيض القدير : ( المنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، والمنافق أصله مَن يظهر ما يبطن خلافه ، لكنّه غلب على مَن يظهر الإسلام ويبطن الكفر )(١) .
وقال في موضع آخر : ( المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر )(٢) .
وجاء في الحديث عن الإمام عليعليهالسلام :( وإنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس ، رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام ) (٣) .
والأمر واضح لا يحتاج مزيد شواهد ، فالنفاق : ( إخفاء الكفر وإظهار الإيمان ) .
ومن ذلك يظهر التعاكس التام بين التقية والنفاق ؛ وذلك لأنّ التقية في الدين ـ كما اتضح سابقاً ـ هي : كتمان الحق وإظهار خلافه توقّياً من ضرر الغير ، أما النفاق فقد تبين آنفاً أنّه : إخفاء الكفر وإظهار الإيمان ، وهذه الماهية للنفاق ماهية اصطلاحية شرعية حدّد الشارع بها مفهوم النفاق وفرق بذلك بينها وبين التقية ، ومن هنا لا يكون النفاق في مورد الإكراه ؛ إذ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) فليس هو إلاّ مرض في النفس من أجل إضعاف شوكة المسلمين .
نعم ، قد يكون في مورد النفاق خوف الضرر على نفسه من القتل إذا أعلن كفره ـ مع كونه محارباً ومبغضاً للإسلام وأهله ـ إلاّ أنّه على الباطل لا على الحق ، كما هو الحال في التقية ، فصاحب التقية مؤمن بالله وكتبه ورسله لكنّه يرى صلاح دينه ودنياه بإظهار خلاف الحق في بعض الظروف الحرجة ، والمنافق كافر بالله وكتبه ورسله يظهر كلمة الإسلام من أجل التربّص بالدين وأهله أمّا كون التقية سكوتاً عن الحق فلا ضير فيه إذا جوّزه الشارع في موارد خوف ضرر الغير
والحاصل : إنّ منشأ النفاق مرض في النفس وجحود وكفر مع إظهار كلمة الإسلام ، ومنشأ التقية إكراه مع حذر وخوف من الغير يوجب كتمان الحق وإظهار ما يريده الغير منه .
وبهذا الفارق أصبح النفاق شريك الكفر ، والتقية من دين المؤمن ، كما سيتضح في حكم التقية .
بمنطق التكفير والتشويه وكيل التهم يحاول البعض تغيير صفحات التاريخ ، وإلقاء ستار أبيض شفّاف على صفحاته السوداء .
ــــــــــــــ
(١) فيض القدير ، المناوي : ج١ ص ٨١ .
(٢) فيض القدير ، المناوي : ج٢ ص ٤٨٨ .
(٣) المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٣٠٢ .