لو كان الظالم يكتفي من المظلوم بالقتل أو نهب الأموال مع صمود المظلوم وحفاظه على دينه ومعتقده لكان من الممكن النقاش في مشروعية التقية ، ولكنّ الظالم يتوسّل بكافة الأساليب التي تستخدم في مجال التعذيب والاضطهاد والابتزاز ، وذلك عن طريق التجاوز على العرض والأهل والولد ، ممّا يجعل المكره والمضطر عرضة لافتقاد دينه ، كأن يشكّك في حكمة الله تعالى أو عدله أو رحمته ، ممّا قد يؤدّي إلى التشكيك في الله تعالى ورسُله وشرائعه .
إذن ترك التقية قد يكون في بعض الأحيان موجباً للافتتان في الدين ، فيكون إخفاء الدين وكتمانه في مثل هذه الموارد أفضل من فقدانه من الأساس بالإعراض عن التقية ، كما جاءت الإشارة إلى ذلك في بعض الآيات القرآنية ، كقوله تعالى :( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ) (١) .
وقوله عزّ وجل :( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (٢) .
ولا شك أنّ الظالم قد يفتن المؤمن المضطهد في دينه بما هو مجال للفتنة كالأولاد والأموال .
وهكذا قوله تعالى :( فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ من قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ من فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) (٣) ، وهذه الآية صريحة في التقية والخوف والكتمان لأجل عدم الافتتان في الدين .
ولذا كان المسلمون يتّقون الظالمين والمتجبّرين لئلاّ يفتنوهم ويخرجونهم عن دينهم ، ومن تلك المواقف موقف مسروق الأجدع مع معاوية بن أبي سفيان ، حيث رُوي أنّ معاوية بن أبي سفيان كان قد بعث بتماثيل من صفر لكي تباع بأرض الهند ، فمرّ بها على مسروق بن الأجدع ، فقال : ( والله لو أنّي أعلم أنّه يقتلني لغرقتها ، ولكنّي أخاف أن يعذبني فيفتنني ، والله لا أدري أي الرجلين معاوية ، رجل قد زُين له سوء عمله ، أو رجل قد
ــــــــــــــ
(١) النساء : ١٠١ .
(٢) الأنفال : ٢٨ .
(٣) يونس :٨٣ .