5%

الجانب الثالث :

إنّ خوف الضرر الذي يبلغ بالتقية إلى مرحلة الوجوب لا يشترط أن يكون ضرراً بحسب ما هو الواقع ، بل يكفي احتمال الضرر أو الظن به بحسب درجات قوّة الضرر المحتمل ، وهذا قانون يحكم به العقل في ضمن قاعدة دفع الضرر التي أمضاها الشرع والدين الإسلامي ، فكلّما كان المحتمل أقوى كان الاحتمال كافياً بنحو طردي .

وجوب التقية في القرآن الكريم :

١ـ قوله تعالى : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (١) ، ولفظ الآية الكريمة عام وشامل لكل مورد تؤدّي عاقبته إلى الهلاك ، إلاّ ما كان مستثنى من هذا العموم بدليله الخاص .

ولذا نقل عن البرّاء بن عازب أنّه قال في تفسير هذه الآية المباركة : ( أي لا تقتحموا في الحرب بحيث لا ترجون النفع ، ولا يكون لكم فيه إلاّ قتل أنفسكم فإنّ ذلك لا يحل ، وإنّما يجب أن يُقتحم إذا طمع في النكاية وإن خاف القتل ، فأمّا إذا كان آيساً من النكاية وكان الأغلب أنّه مقتول فليس له أن يُقدم عليه )(٢) .

وهذا بعينه ما نقوله في التقية ، فلا يجوز للشخص أن يقتحم فيما يؤدّي إلى هلاكه بإظهار عقيدته ودينه من دون أي مطمع ديني راجح .

ولذا ورد عن أبي هريرة في تفسير هذه الآية أيضاً : ( هو الرجل يستقل بين الصفين )(٣) أي : في معركة القتال .

ولا شك أنّ ما ذكره البراء بن عازب وأبو هريرة ، هو من موارد الآية المباركة ، ومن مواردها أيضاً الهلكة التي يتعرّض لها الشخص في حال التقية .

ثم إنّ ابن عربي في تفسيره ذكر أقوالاً في الآية المباركة ، الرابع منها هو : ( لا تدخلوا على العساكر التي لا طاقة لكم بها )(٤) ، ثم نقل قول الطبري :

ــــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج٥ ص١٤٩ .

(٢) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج٥ ص١٤٩ .

(٣) أحكام القرآن ، ابن عربي : ج١ ص١٦٦ .

(٤) أحكام القرآن ، ابن عربي : ج١ ص١٦٦ .