اللزوم كما سبق ذكره ، وقد تكون محرمة إذا أوجبت مفسدة كبيرة يجب تركها ، ومثاله ما لو أُكره على قتل مؤمن مثلاً ، وهكذا باقي الأحكام الأخرى ، فقد تكون مستحبة فيما لو كانت الرخصة فيها على سبيل الندب والأرجحية ، كما أشار إلى ذلك النووي في المجموع ، حيث قال في معرض ذكره لأقسام الرخصة : ( الثالث : رخصة يندب فعلها )(١) وقد تكون التقية رخصة أيضاً ولكن تركها أفضل من فعلها ، فيما لو كان ملاكها مرجوحاً لا على نحو الإفساد الذي يوجب الحرمة ؛ ولذا قال النووي أيضاً في معرض ذلك التقسيم : ( الثاني : رخصة تركها أفضل )(٢) .
٩ ـ ممّا يكشف أيضاً عن كون الجواز في التقية لا يعني عدم الوجوب في كلمات أعلام السنّة ما ذكره الفخر الرازي ، حيث قال بعد أن صرح بجواز التقية : ( وروى عوف عن الحسن أنّه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان )(٣) ، فاستدلاله على مشروعية التقية بمواردها الواجبة واضح في أنّ ذكره لجواز التقية إنّما هو لبيان أصل مشروعيتها لا نفي وجوبها في بعض الأحيان
ذهب الفقهاء إلى أنّ الإكراه والاضطرار إذا بلغ ضرره على النفس يجب على المكره والمضطر فعل ما أُكره عليه أو اضطرّ إليه ، ولا نريد الدخول في أدلة ذلك ، ولكن نقول تقدّمت الإشارة إلى بعض أقوال العلماء في ذلك ، وذكروا أيضاً أنّ مَن انقطع به الطريق وأشرف على الهلاك ولم يكن بين يديه إلاّ الميتة أو الماء النجس أو البول أو غير ذلك من المحضورات وجب عليه ـ حفظاً لنفسه من الهلاك ـ تناول الميتة أو غيرها ، ولا شك أنّ صاحب التقية قد تصل به الحال إلى أنّه قد يقتل إذا لم يُظهر التقية ، فبنفس ملاك حفظ النفس من الهلاك الذي بلغ بالإكراه والاضطرار إلى مرتبة الوجوب ، قد يبلغ أيضاً بالتقية مبلغ الوجوب والإلزام .
ــــــــــــــ
(١) المجموع ، النووي : ج٤ ص٣٣٦ .
(٢) المجموع ، النووي : ج٤ ص٣٣٦ .
(٣) تفسير الفخر الرازي : ج٨ ص١٥ .