16%

وجوب التقية في نظر العقل والعقلاء

سبق أنّ للعقل والعقلاء دوراً مهمّاً في ترسيخ مبدأ التقية في الأوساط الاجتماعية ؛ لأنّ التقية ودفع الضرر بصورة عامة فطرة بشرية رافقت الإنسان والشرائع السماوية ، وقد أمضت الشرائع تلك الفطرة ولم تصطدم معها ، بل أكّدتها وحكمت بحكمها ، ومن الواضح أنّ الفطرة والعقل والعقلاء يدركون أنّ الضرر قد يبلغ لزوم رفعه مبلغ الوجوب بحسب نوع الضرر المحتمل ؛ ولذا من جملة ما استدلّ به على وجوب البحث عن الخالق والعقائد الدينية بصورة عامة هو وجوب دفع الضرر المحتمل ، وليس ذلك إلاّ لكون الضرر المحتمل عظيماً جداً ، وهو ما أخبر به الأنبياء والرسل من النار والعذاب والحرمان لمَن لم يؤمن بالعقائد السماوية الحقّة ، وهكذا استدل على جملة من الأمور الفرعية في الفقه بما حكم به العقل والعقلاء من وجوب دفع الضرر .

وهكذا العقل وكذا العقلاء يدركون أنّ الضرر في موارد التقية قد يكون دفعه أو رفعه واجباً ، كالتكلّم ببعض الكلمات التي تكون مخالفة للواقع وبها يدفع عن نفسه أو عرضه أو ماله الضرر

وهذا الحكم العقلي والعقلائي قد أقرّه الشارع في القرآن والسنّة النبوية وجاء في أقوال العلماء والفقهاء .

فوجوب التقية شرعاً إنّما هو إمضاء لحكم العقل بوجوب دفع الضرر في الدنيا وما بعد الموت ، حيث إنّ العقل يُلزم الإنسان بالبحث عمّا يحصل بعد الموت ؛ وذلك لأنّ المحتمل ملاكه شديد جدّاً ، وهو الهلاك والعذاب الدائم الأبدي .

وبناءً على ذلك يحكم العقل بوجوب التقية حتى وإن كان الضرر محتملاً مع خطورة وشدّة ذلك الضرر ، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ إظهار الحقيقة ـ من دون أن يحتوي ذلك الإظهار على أي مبدأ من المبادئ السامية كالجهاد والتضحية ونحوهما ـ قد يكون موجباً للفتنة والخروج عن تلك الحقيقة وعن الدين ، بسبب ما يلاقيه من عذاب واضطهاد من قِبل الظالمين .