5%

وهذا هو مذهب الشافعي أيضاً ، حيث يقول : ( إنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلّت التقية محاماة على النفس )(١) .

وكذلك هو مذهب كل مَن يعمّم بحث الإكراه والاضطرار ووجوب الكذب في بعض موارده إلى الإكراه والاضطرار فيما بين المسلمين ، إذا أكره بعضهم البعض الآخر أو اضطره على فعل المحرم أو أجبره على الكذب .

ولا ريب أنّ إجماع الفرق الإسلامية قائم على أنّ المكره يباح له الإتيان بما أكره عليه وإن كان الشخص الذي أكرهه مسلماً ، لكنّه ظالم جائر ، وهكذا المضطر ؛ ولذا أجمعوا على وجوب الكذب لإنقاذ المسلم أو ماله أو عرضه أو بعض أعضائه من الظالم وإن كان مسلماً ، ولم يقيّدوا الظالم بما إذا كان كافراً .

وحيث تقدم أنّ ذلك كلّه من شعب التقية ومواردها ، فيكون عموم التقية ـ ولو في تلك الموارد ـ من المسائل الاتفاقية ، وهذا إجماع على جواز التقية فيما بين المسلمين ، إلاّ أنّ الاختلاف في مواردها وحدودها ، ولا بد أن نرجع في التحديد إلى الأدلة كما سيأتي لاحقاً .

تقية المسلم مع المسلم في القرآن الكريم

إنّ الآيات السابقة التي أثبتنا بها مشروعية التقية شاملة بإطلاقها وعمومها للتقية مع كل ظالم ومتجبّر قاهر ، وإن كان مسلماً في العقيدة ، فالآيات الكريمة وخصوصاً الأولى والثانية ، وإن كان مورد نزولها هو التقية مع الكافرين ، إلاّ أنّ علماء الأصول عموماً يثبتون أنّ مورد النزول لا يخصص الآية الواردة إذا كانت عامة ومطلقة ، ولا شك أنّ قوله تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) شامل لإكراه مطلق الظالم وإن كان مسلماً بحسب الظاهر ، وكذا قوله تعالى :( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) فهو في مقام بيان أساس مشروعية التقية وموردها وإن كان مع الكافرين ، إلاّ أنّه لا يخصّص الوارد ، وأيضاً قوله تعالى :( يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) ، فهو في صدد إثبات مشروعية كتمان الإيمان وأرجحيته حفاظاً على النفس وخوفاً من الفتنة ، وكونها واردة في الكتمان مع فرعون الكافر لا يوجب تقييد الآية وتخصيصها .

ــــــــــــــ

(١) نقلاً عن تفسير الفخر الرازي : ج٨ ص١٥ .