الذي يلاحظ سيرة المسلمين يجد أنّهم مارسوا مبدأ التقية مع الظلمة الذين هم على ظاهر الإسلام ، وهكذا العلماء والفقهاء حكموا بذلك قديماً وحديثاً ، وقد سبق ذكر الكثير من الشواهد الدالة على ذلك ، وإليك الإشارة إلى بعضها مع الاختصار :
١ـ قول عبد الله بن مسعود المتقدم : ( ما من ذي سلطان يريد أن يكلّفني كلاماً يدرأ عنّي سوطاً أو سوطين إلاّ كنت متكلّماً به )(١) ، فلم يخص عبد الله بن مسعود التقية بالتقية مع الكافرين فحسب .
٢ـ تقية أبي هريرة مع المسلمين في الحديث ، حيث بثّ وعاءاً وكتم الآخر .
٣ـ تقية حذيفة بن اليمان مع عثمان بن عفان المتقدمة .
٤ـ تقية عبد الله بن عمر مع الحجاج وقد تقدمت أيضاً ، حيث استفاد ابن عمر عموم التقية مع المسلم الظالم من قول رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :( لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ) (٢) .
٥ ـ ما تقدم من فهم عبد الله بن عباس عموم قول الله عزّ وجل :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) ، حيث فهم شمولها لمطلق العدو ، إذ قال : ( فأمّا مَن أُكره فتكلّم به لسانه وخالفه قلبه لينجو بذلك من عدوّه فلا حرج عليه )(٣) وقال أيضاً في موضع آخر : ( التقية باللسان من حمل على أمر يتكلّم به وهو لله معصية ، فتكلّم مخافة على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه )(٤) ، فلم يفهم ابن عباس من آيات التقية اختصاصها بالكافرين ، بل عمّمه للإكراه على كل ما فيه معصية لله تعالى ولكل عدو يُكرهه على ذلك .
٦ـ تعميم ميمون بن مهران التقية مع كل مَن يتبع مسلماً بالسيف وقد تقدّم ذكره .
ــــــــــــــ
(١) المحلى ، ابن حزم : ج٨ ص٣٣٦ .
(٢) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج٥ ص٢٩٤ ؛ كشف الأستار ، الهيثمي : ج٤ ص١١٢ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج٧ ص٢٧٤ .
(٣) جامع البيان تفسير الطبري ، الطبري : ج١٤ ص٢٣٨ .
(٤) جامع البيان ، الطبري : ج٣ ص٣١٠ .