لقد أفتى كافّة فقهاء الإسلام بمشروعية الكذب ، بل وجوبه في بعض الموارد ، كما لو أدّى الصدق وعدم الكذب على الظالم إلى سفك دم مسلم من المسلمين .
قال النووي : ( اتفق الفقهاء على أنّه لو جاء ظالم يطلب إنساناً مختفياً ليقتله ، أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصباً ، وسُئل عن ذلك وجب على مَن علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به ، وهذا كذب جائز ، بل واجب لكونه في دفع الظالم )(١) .
وقال في موضع آخر : ( ولا خلاف أنّه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنّه لا يعلم )(٢) .
وقال الغزالي في إحياء العلوم : ( إنّ عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان في الصدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم ، فالكذب فيه واجب )(٣) .
ونقل الحطّاب الرعيني في المواهب عن ابن ناجي في باب جمل من الفرائض ، قوله : ( إنّ الكذب الواجب هو الذي لإنقاذ مسلم أو ماله )(٤) .
ومن الواضح أنّ هذه الأمثلة المذكورة في جواز ووجوب الكذب من أوضح موارد ومصاديق التقية ؛ وذلك لأنّ الكذب إظهار ما هو خلاف الحق والواقع بسبب الخوف من ضرر الغير ، وهذه هي التقية بعينها كما ذكر في تعريفها ، ولكن مورد التقية وثمرتها هنا هي حفظ حياة الآخرين وأموالهم وأعراضهم .
ــــــــــــــ
(١) شرح صحيح مسلم : ج ١٥ ص ١٢٤ .
(٢) شرح صحيح مسلم : ج ١٦ ص ١٥٨ .
(٣) إحياء علوم الدين ، الغزالي : ج ٣ ص١٣٧ .
(٤) مواهب الجليل ، الرعيني : ج ٧ ص ٣١٤ .